كتاب جواب الإعتراضات المصرية علي الفتيا الحموية - ت شمس - ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 1)
أحدهم مافي تركه من المضرة العاجلة، إما في نفسه واما من جهة
الخلق، فانهم لا يتركون حقوقهم، فهو يفعلها لرغبتهم ورهبتهم وللعادة
التي هو عليها، وقد يفعلها محبة للحق ورغبة فيه من غير أن يرجو أحدا
ولا يخافه، ومن غير أن يفعلها تعبدا. وهذا حسن لا بأس به، فان من
فعل الحسنات لانها حسنات نفعه ذلك، كما ينفع الحيوان أكله وشربه،
لكن لا يكون عبادة لله. بخلاف من لا يفعله إلا خوفا من الخلق، فإن هذا
مذموم.
ولهذا لما قيل للنبي! يم: الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل
ليري مكانه، فأي ذلك في سبيل الله؟ فقال: "من قاتل لتكون كلمة الله
هي العليا فهو في سبيل الله " (1). وهذا يكون في القتال باليد واللسان
وإنفاق المال، وذلك كله يكون جهادا، لكن ماليس في سبيل الله: منه
مالا يعاقب عليه المرء، ومنه ما يعاقب عليه.
والمقصود هنا ن هذه الامور العادية المباحة تفعل لمحبة وهوى
وارادة، فإن كان ذلك يستعان بها على عبادة الله كانت طاعة وعبادة، وان
كان ذلك لمجرد العادة والطبع على الوجه الحق لم يكن ذلك معصية ولا
إثما، وإن لم يقصد بها صاحبها العبادة لله. فقولنا: "كل من لم يعبد الله
ويرده (2) بعمله فلابد أن يعبد غيره ويعبد هواه "، ليس هو في هذه الامور
التي تراد لمصلحة الجسد، وهي مشتركة بين المؤمن والكافر، وكلاهما
يستعين بها على دينه، وقد يقال لها الامور الدنيوية ومصالح الدنيا، وهي
__________
(1) أخرجه البخاري (7458) ومسلم (4 190) عن بي موسى الاشعريه
(2) في الاصل: "يريده".
96