وأَهْلُ السُّنَّةِ لا يَخْتَلِفُونَ في أنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتَعَالَى في وَعْدِه للطَّائِعِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ لا يُخْلِفُهُ، وأنَّهُ في وَعِيدِه لأَهْلِ التَّوْحِيدِ [المُعَانِدينَ] (¬1) الذينَ يَسْتِحلُّونَ مَا حَرَّمَ اللهُ ورَسُولُهُ بالخِيَارِ، إنْ شاءَ عَذَّبَهُم، وإنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ، وذلك قوله: {إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48 - 116].
وقوْلُهُ في الصَّلَواتِ: "وَمَنْ لمْ يَأْتِ بهِنَّ فَلَيْسَ لَهُ عندَ اللهِ عَهْدٌ" يعنِي: إنَّ لم يأْتِ بِهِنَّ على سَبِيلِ التَّضْيِيعِ لَهُنَّ والغَفْلةِ فاللهُ فيهِ بالخَيَارِ، إنْ شاءَ عَذَّبَهُ، وإنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ، وإنْ جَحَدهَا اسْتُتِيبَ، فإنْ تَابَ وإلَّا قُتِلَ، وإنْ أَقَرَّ بِها وقالَ: لا أُصَلِّي، أُخِرَّ حتَّى يَمْضِي وَقْتُ صَلاَةٍ، فإنْ صَلَّاهَا وإلَّا قُتِلَ.
قالَ أبو مُحَمَّدٍ: سُئِلَ ابنُ عُمَرَ عَنْ تَشْفِيعِه للوِتْرِ، فَقِيلَ لَهُ: (هَلْ فَعَلَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، أو فَعَلَهُ أبو بَكْرٍ وعُمَرُ؟ فقالَ: لا, ولَكِنَّهُ شَيءٌ اسْتَحْسَنْتُهُ) (¬2)، قالَ أبو مُحَمَّدٍ: ولِهَذا قالَ مَالِكٌ: إنَّهُ مَن افْتَتَحَ وِتْرَاً فلَا يَجْعَلْهَا شَفْعَاً إذ لم يَفْعَلْهُ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -.
* قالَ مَالِكٌ: وليسَ العَمَلُ على فِعْلِ سَعْدِ بنِ أَبي وَقَّاصٍ إذْ كَانَ يُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ لا شَفْعَ قَبْلَهَا، وأَقَلُّ الوِتْرِ ثَلاَثُ رَكَعَاتٍ، اثْنَتَانِ شَفْعٌ وَوَاحِدَةٌ وِتْرٌ.
قالَ أبو عُمَرَ: أَدْخَلَ مَالِكٌ في المُوطَّأ حَدِيثَ ابنِ عبَّاس في وِتْرِه بعدَ الفَجْرِ، وكَذَلِكَ حَدِيثَ عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ يَرُدُّ بِهِما قَوْلَ مَنْ قَالَ: إنَّهُ لا يُوتِرُ بعدَ الفَجْرِ، وإنَّما يَكُونُ الوِتْرُ باللَّيْلِ، والمُسْتَحْسَنُ عندَ مَالِكٍ أنْ يَكُونَ الوِتْرُ باللَّيْلِ، فإذا وَقَعَ
¬__________
= ويحيى بن سلام لم يدرك يحيى بن سعيد الأنصاري وإنما يروي عن بواسطة، ينظر: سير أعلام النبلاء 9/ 396.
(¬1) ما بين المعقوفتين لم يظهر في الأصل، وقد استظهرته بما رأيته مناسبا مع السياق.
(¬2) رواه بنحوه مالك (406)، وقال ابن عبد البر في التمهيد 13/ 254,: وروي مثل قول ابن عمر في الفصل بين الشفع والوتر بالتسليم عن عثمان بن عفان وعبد الله بن عباس وسعد بن مالك وزيد بن ثابت ... إلخ.