كتاب تفسير الموطأ للقنازعي (اسم الجزء: 1)
باب كِرَاهِيةِ التَّضْييقِ على النَّاسِ في الصَّدَقَةِ،
ومَن يَأخُذُهَا مِنهم
* كَرِهَ عُمَرُ بنُ الخطاب للمُصَدِّقِ أَنْ يأْخُذَ مِنَ النَّاسِ في صَدَقَاتِهِم خِيَارَ أَمْوَالِهِم، فقالَ حِينَ رَأَى الشَّاةَ الحَافِلَ التي كانَ أَخَذَهَا المُصَدِّقُ في الصَّدَقَةِ: (مَا أَعْطَى هذِه أَهْلُهَا وَهُمْ طَائِعُونَ) [915].
وفِي هذَا مِنَ الفقْه: تَعَاهُدُ الإمَامِ أُمُورَ عُمَّالِهِ، ومَنْعُهُ إيَّإهُم مِنْ ظُلْمِ النَّاسِ فَيَفْتَتِنُوا، ويَمْنَعُوا زكَوَاتِهِم إذا أُخِذَ مِنْهُم في ذَلِكَ مَا يُحَزرُونَ في أَنْفُسِهِم أَنَّهَا خِيَارُ أَمْوَالِهِم (¬1).
وقَوْلُهُ: (نَكِّبُوا عَنِ الطَّعَام)، يعَنِي: نَكّبُوا عَنْ أَخْذِ ذَوَاتِ اللَّبَنِ التِّي يَعِيشُ أَهْلُهَا مِنْ لَبَنِهَا.
ثُمَّ لمْ يَأْمُرْ عُمَرُ بِرَدِّ تِلْكَ الشَّاةِ الحَافِلِ التِّي أُخِذَتْ منهُ، مِنْ أَجْلِ أَنَّ المُصَدِّقَ أَخَذَهَا مِنْ رَبّهَا على وَجْهِ الإجْتِهَادِ، فَصَارَ ذَلِكَ حُكُمٌ وَقَعَ باجْتِهَادِ الحَاكِمِ فَلَمَّ تُرَدَّ.
ثُمَّ أَمَرَ عُمَرُ المُصَدِّقَ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ أَنْ يَأْخُذَ الجَذَعَةَ والثَّنِيَّةَ، وهذَا هُوَ العَدْلُ في الأَخْذِ بينَ غِذَاءِ الغَنَمِ وخِيَارِهَا، والغِذَاءُ: الصَّغَارُ مِنْهَا (¬2)، وتُعَدُّ على رَبّهَا في الصَّدَقةِ مِثْلَ الكِبَارِ.
¬__________
(¬1) قوله (يحزرون) -بفتح الحاء وسكون الزاي- جمع حَزْرة، وهي خيار مال الرجل، ينظر: النهاية 1/ 377.
(¬2) الغِذَاء -بغين معجمة مكسورة وبالمد- وهو الرديء، والمراد: أن لا يأخذ الساعي خيار الغنم ولا رديئه، وإنما ياخذ الوسط، ينظر: النهاية 3/ 348.
الصفحة 264