كتاب تفسير الموطأ للقنازعي (اسم الجزء: 1)
أَيْ قَدْ بيَّتُ الصِّيَامَ فَلَا تَسْأَلُوا عَنِّي، وقدْ ثَبَتَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وحَفْصَةَ، أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "لا صِيَامَ إلَّا لِمَنْ بيَتَ الصِّيَامَ" (¬1)، وَهُوَ ظَاهِرُ القُرْآنِ، قالَ اللهُ تَبَارَكَ وتَعَالَى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187]، فإذا لمْ يَجُزْ للصَّائِمِ الأكْلُ بعدَ الفَجْرِ لمْ يَكُنْ للنَّاسِ بُدٌّ منْ أَنْ يَكُونَ اعْتِقَادُهُم للصَّومِ قبلَ الفَجْرِ، وهذَا هُو التَّبَيَّتُ في الصِّيَامِ.
قالَ مَالِكٌ: وُيجْزِيءُ التَّبْييتُ في أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنَ الشَّهْرِ، ولَيْسَ على النَّاسِ تَبستُ كُلَّ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، لأَنَّ الشَّهْرَ شَيءٌ وَاحِدٌ مُتَّصِلٌ إلى آخِرِ الشَّهْرِ.
* حَدِيثُ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ، أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الفِطْرَ" [1011] يعنِي: عَجَّلُوا الأَكلَ إذا صَامُوا في رَمَضَانَ بعدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، وفِي هذَا مِنَ الفِقْه: أَنَّ مَنْ وَقَفَ عِنْدَما حَدَّ اللهُ لَهُ فِيمَا فَرَضَهُ عَلَيْهِ، وفِيمابَيَّنَهُ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ بِخَيْرٍ مِنْ دُنْيَاهُ، واسْتَوْجَبَ الأَجْرَ على ذَلِكَ مِنْ رَبّه في آخِرَتِهِ.
قالَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187]، وأَوَّلُ اللَّيْلِ غَيْبُوبَةُ الشَّمْسِ.
وذَكَرَ أَبو دَاوُدَ، مِنْ طَرِيقِ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "لا يَزَالُ الدّينُ (¬2) ظَاهِرًا مَا عَجَّلَ النَّاسُ الفِطْرَ، لأَنَّ اليَهُودَ والنَّصَارَى يُؤَخّرُونَ" (¬3) يعنِي: يُؤَخِّرُونَ فِطْرَهُم إذا صَامُوا، فَكَرِهَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ تَمْتَثِلَ أُمَّتُهُ فِعْلَ اليَهُودِ والنَّصَارَى في ذَلِكَ.
[قَالَ أَبو المُطَرّفِ]: أَرْسَلَ يحيى بنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عبدِ اللهِ بنِ عبدِ الرَّحمنِ، عَن أَبي يُونسُ حَدِيثَ الرَّجُلِ الذي سَأَلَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ يُصْبِحُ جُنُبًا في
¬__________
(¬1) رواه أبو داود (2454)، والترمذي (730)، والنسائي 4/ 196.
(¬2) جاء في الأصل: (لا يزال الناس الدين ...) والصواب حذف كلمة (الناس).
(¬3) رواه أبو داود (2353)، وأحمد 2/ 450، وابن حبان (3503)، بإسنادهم إلى أبي سلمة بن عبد الرحمن به.
الصفحة 284