كتاب تفسير الموطأ للقنازعي (اسم الجزء: 1)

بَعْضُ طَلاَقِهِ إيَّاهَا بِغَيْرِ عِدَّة كَامِلَةٍ، وذَلِكَ أَنَّهُ تَقَعُ للطَّلْقَةِ الأُولَى عِدَّةٌ كَامِلَةٌ، وتَقَعُ للطَّلْقَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الأقْرَاءِ قُرآنِ، وتَقَعُ الطَّلْقَةُ الثَّالِثَةُ مِنَ الأقْرَاءِ قُرءٌ، فَيَقَعُ ذَلِكَ بِخِلاَفِ مَا قَالَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228]، فلِهَذا لا يَنْبَغِي أَنْ يُطَلِّقَها في كُلِّ طُهْرٍ طَلْقَةً.
* قالَ ابنُ أَبِي زَيْدٍ: في حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ وأَصْحَابهِ حِينَ سَأَلُوا النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ العَزْلِ، وقَالُوا لَهُ: أنَّا نُحِبُّ العَزْلَ، وقالَ: "مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا" [2206]، يَعْنِي: مَا يَمْنَعُكُمْ أَنْ تَعْزِلُوا [عَنْ] (¬1) إمَائِكُم عِنْدَ وَطْئِكُم إيَّاهُنَّ، ثُمَّ قَالَ: "مَا مِنْ نَسَمَةٍ كَائِنَةٍ إلى يَوْمِ القِيَامَةِ إلَّا وَهِيَ كَائِنَةٌ"، فَدَلَّ هذَا على أَنَّ الوَلَدَ قَدْ يَكُونُ مَعَ العَزْلِ، ولِهذَا قَالَ الفُقَهَاءُ فِيمَنْ أَقَرَّ بِوَطءِ أَمَتِهِ، وادَّعَا أَنَّهُ كَانَ يَعْزِلُ عَنْها مَاءَهُ، أَنَّ الوَلَدَ لا حَقَّ بهِ، إذ قَدْ يَغْلِبُهُ المَاءُ أَو بَعْضُهُ.
" وقَوْلُهُم: (إنا نُحِبُّ الأثْمَانَ فِيهِ) (¬2)، دَلِيلٌ على أَنَّ الأَمَةَ إذا حَمَلَتْ مِنْ سَيِّدَها أَنَّهُ لاسَبِيلَ لَهُ إلى بَيْعِها، وقَدْ ثَبَتَ عَنِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ في أُمِّ إبْرَاهِيمَ: "أعْتَقَهَا وَلَدُهَا" (¬3)، وقَدْ قَضَى عُمَرُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - في الأَمَةِ إذا حَمَلَتْ مِنْ سَيِّدِها أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا [2871]، فإذا وَضَعْتْ فِهَيَ على ذَلِكَ الأَصْلِ في مَنْعِ بَيْعِها، وعلى هذا اتَّفَقَ المُهَاجِرُونَ والأَنْصَارُ بالمَدِينَةِ، ويُذْكَرُ عَنْ عليِّ بنِ أبي طَالِبٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّهُ رَخَّصَ بالكُوفَةِ في بَيْع أُمِّ الوَلَدِ، فَقَامَ إليه عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ، فقَالَ لَهُ: (يا أَمِيرُ المُؤْمِنينَ، رَأْيُكَ في الجَمَاعَةِ أَحَبُّ إلينا مِنْ رَأْيِكَ وَحْدَكَ) (¬4)، وذَلِكَ أَنَّ عَلِيًّا وَافَقَ أَصْحَابَهُ بالمَدِينَةِ على المَنْعِ مِنْ بَيْعِ أُمِّ الوَلَدِ، فَلِهَذا قَالَ عَبِيدَةُ هذَا القَوْلَ.
¬__________
(¬1) ما بين المعقوفتين زيادة وضعتها للتوضيح.
(¬2) هذه اللفظة رواها البخاري في صحيحه (2116)، والبيهقي في السنن 10/ 347، وقال: فلولا أن الإستيلاد يمنع من نقل الملك وإلا لم يكن لعزلهم محبة الأثمان فائدة.
(¬3) رواه ابن ماجه (2516)، والبيهقي 10/ 346، من حديث ابن عباس، وإسناده ضعيف.
(¬4) رواه عبد الرزاق 7/ 391، والبيهقي في السنن 10/ 348، بإسنادهم إلى عَبِيدة السَّلْماني به.

الصفحة 390