كتاب تفسير الموطأ للقنازعي (اسم الجزء: 1)
الجُهنِيِّ، أَنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "عُهْدَةُ الرَّقِيقِ ثَلاَثةُ أَيَّام" (¬1).
قالَ عِيسَى: إنَّمَا تَلْزَمُ العُهْدَةُ أَهْلَ كُلِّ بَلدٍ قَدْ عَرَفُوها وجَرُوا عَلَيْها، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَها المُبْتَاعُ علَى البَائِعِ، فَتَلْزَمُهُ في أَيِّ بَلدٍ وَقَعَ البَيع بَيْنَهُمَا فِيهِ، ويُلْزَمُ البَائِعُ المُوَاضَعَةَ في التي تُوطَءُ مِنَ الإمَاءِ (¬2)، حتَّى تَسْتَبْرِئَ بِحَيْضَةٍ صَحِيحَيما، لِئَلَّا يُوَطَءَ فرجٌ مَشْكُوكٌ في بَرَاءَتِهِ مِنَ الحَملِ.
قالَ عِيسَى: الذي ثَبَتَ عَلَيْهِ قَوْلُ مَالِكٍ أَنَّ البَرَاءَةَ في الرَّقِيقِ إنَّمَا تَكُونُ في بَيْعِ السُّلْطَانِ خَاصَّةً، لَا مِنْ أَهْلِ المِيرَاثِ ولا غَيْرِهِم.
* قالَ أَبو المُطَرفِ: هذا خِلاَفُ مَا قَالَهُ مَالِكٌ في المُوطَّأ، وفِي بَيْعِ ابنِ عُمَرَ عَبْدَهُ بالبَرَاءَةِ دَلِيلٌ على أَنَّهُ كَانَ بَيْعَاً معرُوفَاً عِنْدَهُم، وذَلِكَ أنْ يَتَبرَّأَ البَائِعُ إلى المُبْتَاعِ عندَ عُقْدةِ البَيع مِنْ عُيُوب لا يَعلَمُها في عَبْدِه أَو أَمَتِهِ، إلَّا أنَّ الضمَان يَلْحَقُهُ فِيمَا يَجِدُهُ المُشْتَرِي مِنَ العُيُوبِ في العَبْدِ أَو الأَمَةِ، فَيُلْزَمُ حِينَئِذٍ البَائِعُ اليَمِينَ أَنَّهُ مَا عَلِمَ بِمَا يَظْهرُ مِنَ العُيُوبِ حِينَ بَاعَ، فإنْ حَلَفَ سَقَطَتْ عَنْهُ التَّبعَةُ فِيها، وبهذَا حَكَمَ عُثْمَانُ على ابنِ عُمَرَ في العَبْدِ الذي كَانَ قَدْ بَاعَهُ بالبَرَاءَةِ، فإَباءُ ابنُ عُمَرَ مِنَ اليَمِينِ وتَنَزُّهُ عَنْها إتِقَاء للشُّهْرَةِ، وخَافَ أنْ يَنْزِلَ بهِ بَلاَءٌ أنْ يَقُولَ النَّاسُ: إنَّمَا أَصَابَهُ ذَلِكَ بِسَببِ يَمِييه، وهذه مَسْأَلةٌ اختلفَ فِيها شُيُوخُنا، فَحَدَّثني بَغضُ مَنْ لَقِيتُهُ عَنِ ابنِ لُبَابَةَ (¬3) أَنَّهُ قالَ: مَنْ وَجَبتْ عَلَيْهِ يَمِينٌ وَهُو فِيها صَادِقٌ فَلَم يَخلِفْها أَنَّهُ مُرَائِي.
قالَ أَبو المُطَرِّفِ: وقَدْ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ ابنُ عُمَرَ تَرَكَ اليَمِينَ إذ عَلِمَ أَنَّهُ لَا ضَرَرَ
¬__________
(¬1) رواه أبو داود (3506)، وأحمد 4/ 150، والبيهقي 5/ 323، بإسنادهم إلى قتادة به.
(¬2) المواضعة هي أن توضع الجارية على يدي امراة عدلة حتى تحيض، فإن حاضت تم البيع فيها وضمانها مدة المواضعة من البائع والنفقة عليه، ينظر: التاج والإكليل 4/ 478.
(¬3) هو محمد بن عمر بن لبابة الأندلسي، الإِمام الفقيه، المتوفى سنة (314)، وتقدم التعريف به.
الصفحة 430