كتاب تفسير الموطأ للقنازعي (اسم الجزء: 1)

البَائِعُ مِنَ المُشْتَرِي مِثْلَ ثُلُثِ تِلْكَ الصُّبْرَةِ كَيْلاً (¬1)، فَصَارَ بَيْعَاً وسَلَفَاً، وذَلِكَ أَنَّهُ بَاعَ مِنْهُ صُبْرَةً على إنْ أَسْلَفَهُ مِنْها الكَيْلَ الذي أَخَذَهُ مِنْهُ آخِراً، وَهُوَ الثُلُثُ الذي اسْتَثْنَاهُ لِنَفْسهِ مِنَ الصُّبْرَةِ المَبيعَةِ، وكَذَلِكَ إذا ابْتَاعَهُ مِنْهُ بِنَقَدٍ بأَقَلَّ مِنَ الثَّمَنِ الذي بَاعَهُ بهِ أَوَّلاً دَخَلَهُ البَيع والسَّلَفُ، لأَنَّهُ يَصِيرُ مَا يَحُطُهُ مِنْ ثَمَنِ ثُلُثِ ذَلِكَ الطَّعَامِ سَلَفاً أَسْلَفَهُ إيَّاهُ، يَقَبْضُ مِنْهُ تِلْكَ الحَطِيطَةَ إذا قَبَضَ ثَمَنَ الصُّبْرَةِ (¬2)، فإذا وَقَعَ مِثْلَ هذا البَيع فُسِخَ، فإنْ فَاتَ ذَلِكَ غُرِمَ قَابِضُ الصُّبْرَةِ قِيمَتَها يَوْمَ قَبَضَها، وإذا كَانَ المُسْتَثْنَى مِنَ الصُّبْرَةِ أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ كَيْلِها دَخَلَتْهُ المُزَابَنَةُ، لأَنَّ الطَّعَامَ المُسْتَثْنَى مِنَ الصُّبْرَةِ المَبيعَةِ مَعلُومٌ كَيْلُهُ مِنْ مَجْهُولٍ كَيْلِهِ، فَيَنخُلُهُ بَيع مَغلُومٍ بِمَجْهُول مِنْ صِنْفٍ وَاحِدَ.
قَوْلُ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ: (لَا حُكْرَةَ في سُوقِنَا)، وَوَقَعَ في غَيْرِ المُوطَّأ مِنْ طَرِيقِ ابنِ المُسَيَّبِ، عَنْ مَعْمَرِ بنِ أَبي مَعمَر، أَنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "لَا يَحتَكِرُ إلَّا خَاطِئ"ـ (¬3).
قالَ الفُقَةاءُ: إنَّمَا هذا إذا قَلَّ الطَّعَامُ في الأَسْوَاقِ واحتَاجَ النَّاسُ إليه، فإنَّ مَنِ اختَكَرَ حِينَئذٍ فَهُوَ مُضرٌّ بالنَّاسِ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلْيَتُبْ مِنْهُ إلى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَلْيَبع ذَلِكَ الطَّعَامَ مِنْ أَهْلِ الحَاجَةِ إليه بِمِثْلِ مَا ابْتَاعَهُ بهِ.
قَالُوا: وأَمَّا إذا كَثُرَ الطَّعَامُ في الأَسْوَاقِ وبَارَ فِيها فَلَا بَأْسَ بإحكَارِهِ حِينَئِذٍ، وكَذَلِكَ جَمِيعُ الأَشْيَاءِ المَأْكُولاَتِ والمَشْرُوبَاتِ.
قالَ أَبو المُطَرِّفِ: قَوْلُ عُمَرُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: (أيُّمَا جَالِبٍ جَلَبَ على عُمُدِ (¬4) كبِدِه في الشِّتَاءِ والصَّيْفِ فَلْيَبع كَيْفَ شَاءَ الله)، يَعنِي بهذا الذينَ يَجْلِبُونَ
¬__________
(¬1) الصبرة: الكومة من الطعام، يقال: اشترى الطعام صبرة، يعني: جزافا بلا كيل أو وزن، ينظر: المعجم الوسيط 1/ 506.
(¬2) الحطيطة: ما يحط من جملة الحساب فينقص منه، ينظر: المعجم الوسيط 1/ 182.
(¬3) رواه مسلم (1605)، وأبو داود (3447)، والترمذي (1267)، وابن ماجه (2154)، بإسنادهم إلى سعيد بن المسيب به.
(¬4) كذا في الأصل، وجاء في الموطأ: عمود.

الصفحة 459