كتاب تفسير الموطأ للقنازعي (اسم الجزء: 2)

يُفْسَخُ البَيْع مَا لَمْ تَفِتِ السِّلْعَةُ، ويُؤَدَّبُ البَائِعُ إنْ كَانَ عَالِمَاً بِمَكْرُوهِ ذَلِكَ.
قالَ: وأَمَّا مَنْ بَاعَ على النَّجَشِ فَالمُشْتَرِي رَدُّ تِلْكَ السِّلْعَةِ إنْ شَاءَ، فإنْ فَاتَتْ نُظِرَ إلى قِيمَتِهَا يَوْمَ البَيْع، فإنْ كَانَتِ القِيمَةُ أَقَل مِنَ الثَّمَنِ الذي دَفَعَهُ المُشْتَرِي فِيها رَدَّ البَائِعُ على المُشْتَرِي مَا زَادَ على قِيمَةِ تِلْكَ السِّلْعَةِ.
قالَ: ومَنْ سَامَ على سَوْمِ أَخِيهِ بَعْدَ أَنْ رَكَنَ البَائِعُ إلى السَّائِمِ، فَابْتَاعَها السَّائِمُ الآخَرُ، فإنْ كَانَتِ السِّلْعَةُ لَمْ تَفِتْ فَلْيَعرِضها على الذي سَامَ بِها أَوَّلاً، فإنْ أَرَادَها أَسْلَمَها إليه بالثَّمَنِ الذي اشْتَرَاها بهِ، وإنَّما أَمرَهُ أَنْ يَعرِضَها عَلَيْهِ، لأَنَّهُ اشْتَرَاها في وَقْتٍ قَدْ مُنِعَ مِنْ شِرَائِهِ إيَّاها، بِسَببِ رُكُونِ البَائِعِ إلى السَّائِمِ الأَوَّلِ فأَضَرَّ بهِ.
وكَذَلِكَ لا يَنْبَغِي للمُسْلَمِ أَنْ يَسُومَ على سَوْمِ اليَهُودِيِّ أَو النَّصْرَانِيِّ عندَ رُكُونِ البَائِعِ إلى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، لأن لَهُم ذِمَّةً، ولَا يَنْبَغِي أَنْ يُضَرَّ بِهِم.
ذَكَرَ أَبو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ أَنَسِ بنِ مَالِكٌ: "أَنَّ رَجُلًا كَانَ على عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في عُقْدَتِهِ ضَعفٌ، وكَانَ يَبْتَاعُ السِّلَعَ، فأتى أَهْلُهُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالُوا: يا رَسُولَ اللهِ، [أُحجُرْ] (¬1) على فُلاَنٍ، فإنَّهُ يَبْتَاعُ وفِي عُقْدَتِهِ ضَعف، فَدَعَاهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَنَهاهُ عَنِ البَيْع، فقالَ: لَا أَصبرُ عَنْ ذَلِكَ، فقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: إنْ كُنْتَ غَيْرَ تَارِكٍ البَيْع فَقلْ: هاءَ، ولَا خِلَابَةَ" (¬2).
* قالَ أبو المُطَرِّفِ (¬3): هذا الحَدِيثُ يُبيِّنُ حَدِيثَ مَالِكٍ في المُوطَّأ إذ لِكُلِ بَائِعِ أَنْ يَبِيعَ سِلْعَتَهُ بِمَا شَاءَ إذا بَاعَها مِمَّنْ يَجُوزُ مُبَايَعَتَهُ ولَا يُنْظَرُ إلى مَا اشْتَرَى البَائِعُ في ثَمَنِ سِلْعَتِه، إلَّا أَنْ يَقُولَ لَهُ المُشْتَرِي: بعنِي ولَا خِلاَبَةَ، فَلَا
¬__________
(¬1) ما بين المعقوفتين من سنن أبي داود، وجاء في الأصل، وفي (ق): حجر.
(¬2) سنن أبي داود (3501) من حديث قتادة عن أنس به. ورواه الترمذي (1250)، والنسائي 7/ 252، وابن ماجه (2354)، وأحمد 3/ 217. وقوله: (في عقدته ضعف) أي: في رأيه ونظره في مصالح نفسه. وقوله: (لاخلابة) -بكسر الخاء وتخفيف اللام- أي: لا خديعة، ينظر: تحفة الأحوذي 4/ 380.
(¬3) في ق: (ع).

الصفحة 491