كتاب تفسير الموطأ للقنازعي (اسم الجزء: 2)

(تُبْ تُقْبَلُ شَهادَتُكَ) (¬1)، أَيْ: كَذِّبْ نَفْسَكَ فِيمَا شَهِدتَ بهِ على المُغِيرَةِ بنِ شُعبَةَ، وكَذَلِكَ تُقْبَلُ شَهادَتُكَ في غَيْرِ ذَلِكَ.
فقالَ لِي أَبو مُحَمَّدٍ: لَسْتُ أَعرِفُ مَا مَغنَى هذا القَوْلِ، لأَنَّهُ لَا يَخْلُو أَبو بَكْرَةَ فِيمَا شَهِدَ بهِ على المُغِيرَةِ مِنْ أَنْ يَكُونَ صَادِقَاً أَو كَاذِباً، فإنْ كَانَ كَاذِباً فَقَد ازتَفِعَ عَنْهُ الكَذِبُ بِتَوْبتهِ وصَلاَحِ حَالِهِ، وإنْ كَانَ فِيمَا شَهِدَ بهِ عَلَيْهِ صَادِقَاً، فَلَا مَعنى لِمَنْ شَهِدَ بِحَق فَحُدَّ بِسَبَبِ شَهادَتِهِ، ثُمَّ ازْدَادَ بَعْدَ ذَلِكَ خَيْراً وصَلاَحا أنْ يُقَالَ لَهُ بَعدَ ذَلِكَ: كَذبْ نَفْسَكَ الآنَ، وكَذَلِكَ تُقْبَلُ شَهادَتُكُ، فَيَكُونُ قَدْ صُرِفَ مِنْ حَالَةِ الصَّلاَحِ إلى حَالَةِ الفِسْقِ الذي لا تَجُوزُ شَهادَةُ صَاحِبهِ، واللهُ أَعْلَمُ بِمَعْنَى مَا أَرَادَهُ عُمَرُ في هذا إنْ صَحَّ ذَلِكَ عَنْهُ.
قالَ عِيسَى: تُقْبَلُ شَهادَةُ المحدُودِ إذا ظَهرتْ تَوْبَتُهُ، وصَلُحَتْ حَالُهُ، ولَا يُسْئَلُ أَمُقِيمٌ هُو على مَا شَهِدَ بهِ أَم نَازِعٌ عَنْهُ.
وقالَ قَوْمٌ: تُقْبَلُ شَهدادَتُهُ إلَّا في مِثْلِ الشَّيءِ الذي حُدَّ فِيهِ، لأَنَّهُ يُتَّهَمُ في أَنْ يُحِب أَنْ يَجِدَ لِنَفْسِهِ شَبيها فِي مِثْلِ مَا فَعَلَهُ هُوَ أَوَّلاً، وُيذْكَرُ عَنْ عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ أَنَّهُ قَالَ: (وَدَّتِ الزَّانِيَةُ أَنَّ النِّسَاءَ كُلُّهُنَّ زَوَانِي) (¬2)، والقَوْلُ الأَوَّلُ هُوَ قَوْلُ ابنِ القَاسِمِ.
* * *
¬__________
(¬1) رواه الشافعي في الأم 4/ 116، والبيهقي في السنن 10/ 152، وعلقه البخاري في صحيحه (2504).
(¬2) ذكره ابن قدامة في المغني 10/ 190، والخطاب في مواهب الجليل 6/ 161، ولم أجده في موضع آخر.

الصفحة 498