كتاب تفسير الموطأ للقنازعي (اسم الجزء: 2)
قِيلَ لِمَالِكٍ: فإذا لَمْ يَكُنْ للنَّاحِلِ مَالٌ غَيْرُهُ أيرْتَجِعْهُ بَعْدَ النَّحْلَةِ؟ فقالَ: إنَّ ذَلِكَ لِيُقَالُ، وقَدْ قُضِيَ بهِ عِنْدَنَا بالمَدِينَةِ (¬1).
وقالَ غَيْرُ مَالِكٍ: إنَّهُ لَمَّا قَالَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في غَيْرِ هَذا الحَدِيثِ: "سَاوُوا بَيْنَ أَوْلاَدِكُمْ" (¬2)، يَعْنِي في العَطَايَا، وكَانَ بَشِير قَدْ نَحَلَ ابْنَهُ غُلاَمًا دُونَ سَائِرِ وَلَدِهِ، وأَعْلَمَ بِذَلِكَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، كَرِهَ لَهُ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ولَمْ يُحَرِّمْهُ، ولَوْ كَانَ حَرَامًا مَا نَحَلَ أَبو بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ابْنتَهُ عَائِشَةَ دُونَ سَائِرِ وَلَدِهِ، وإنَّما يُكْرَهُ للأَبِ ذَلِكَ لِئَلَّا يُورِثُ بَيْنَ وَلَدِهِ العَدَاوةَ، ويُبْغِضُونَهُ على فِعْلِهِ ذَلِكَ، إلَّا أَنَّهُ إذا وَقَعَ مِثْلُ هَذا نُفِذَ ولَمْ يُرَدُّ.
وقالَ أَبو مُحَمَّدٍ: هَذا الحَدِيثُ أَصْل في إبَاحَةِ اعْتِصَارِ الرَّجُلِ مَا وَهَبَهُ ابْنَهُ، أَو
نَحَلَهُ إيَّاه (¬3).
* قالَ عِيسَى: قَوْلُ أَبي بَكْرٍ لِعَائِشَةَ: (إني كنتُ نَحَلْتُك جَادَّ عِشْرِينَ وَسْقَاً) [2783]، يُرِيدُ: كُنْتُ نَحَلْتُكِ جِدَادَ عِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ ثَمَنِ نَخْلِي إذا جَدَدْتُهُ، فَمَرِضَ أَبو بَكْرٍ قَبْلَ أَن يَجِدَّ النَّخْلِ فَلَمْ يَكُنْ لِعَائِشَةَ مِنْ تِلْكَ النَّحْلَةِ شَيءٌ، مِنْ أَجْلِ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ حَازَتْهَا في صَحَّةِ أَبِيهَا، وهَذا أَصْلٌ في الحِيَازَةِ أَن النَّحْلَةَ، أَو الهِبَةَ، أَو الصَّدْقَةَ إذا لَمْ تَحُزْ مِنْ دَافِعِهَا ولَمْ يَقْبضْ ذَلِكَ مِنْهُ حتَّى يَمْرَضَ النَّاحِلُ، أَو الوَاهِبُ، أَو المُتَصَدَّقُ، أَو يَمُوتُ أَنَّ ذَلِك لا يَنْفُذُ إذا كَانَ لِوَارِثٍ، فإنْ كَانَ ذَلِكَ لِغَيْرِ وَارِثٍ أُخْرِجَ لَهُ مِنَ الثُّلُثِ إذا أَوْصَى بِذَلِكَ.
قالَ عِيسَى: وكَانَ لأَبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ زَوْجَةً يُقَالُ لَهَا بِنْتُ خَارِجَةَ، فقالَ لِعَائِشَةَ: (إنَّ حَمْلَ بِنْتِ خَارِجَةَ أُرَاهَا جَارَيةً)، فَكَانَ ذَلِكَ كَمَا قَالَ أَبو بَكْرٍ
¬__________
(¬1) نقل هذا القول ابن عبد البر في التمهيد 7/ 236.
(¬2) رواه سعيد بن منصور في السنن (293) طبعة الأعظمي، من حديث يحيى بن أبي كثير مرسلا، ورواه الخطيب في تاريخه 11/ 107 من حديث ابن عباس، وإسناده ضعيف.
(¬3) الإعتصار: هو الحبس والمنع، وقيل: الإرتجاع، ويراد بها هنا الرجوع في الهبة دون عوض، يراجع: حاشية الدسوقي 3/ 271.
الصفحة 532