كتاب تفسير الموطأ للقنازعي (اسم الجزء: 2)
وقالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ في قَوْلِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا}، قالَ: (مَنْ تَرَكَ خَمْسِمَائةَ دِرْهَمٍ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ أَنْ يُوصِي) (¬1).
وقالَ غَيْرُهُ: الوَصِيَّةُ حَقٌّ فِيمَا قَلَّ مِنَ المَالِ أَو كَثُرَ (¬2).
* وقالَ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا حَقُّ امْرِئٍ لَهُ شَيءٌ يُوصِي فِيهِ" [2818] وذَكَرَ الحَدِيثَ، قالَ أَبو مُحَمَّدٍ: إنَّمَا وَجَبَ أَنْ يُجِيزَ الوَرَثَةَ فِيمَا زَادَ المُوصِي على الثُلُثِ بَيْنَ إجَارتهِ وَرَدِّهِ، مِنْ أَجْلِ أَنْ للمُوصِي التَّصَرُّفَ في ثُلُثِ مَالِهِ، فَصَارَ بِذَلِكَ شَرِيكًا للوَرَثةِ في جَمِيعِ المَالِ، فإذا عَيَّنَ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا في وَصِيَّتِهِ فَكَأَنَّهُ عَاوَضَ وَرَثتهُ بالذي عَيَّنَ مِنْ ذَلِكَ، فَإذا أَجَازُوا ذَلِكَ نَفَذَ لِمَنْ أَوْصَى لَهُمْ بهِ، ودَفَعَ إليهِم، وإنْ أَبَوا أَنْ يُجِيزُوا ذَلِكَ قِيلَ لَهُم: ادْفَعُوا ثُلُثَ مَالِ المَيِّتِ إلى أَهْلِ الوَصَايَا في وَصَايَاهُم، إذ لَا ضرَرَ عَلَيْكُم في ذَلِكَ، وإذا اسْتَأْذَنَ الرَّجُلُ وَرَثَتَهُ وَهُوَ صَحِيحٌ في أَنْ يُوصِي لِبَعْضِ وَرَثَتِهِ بِقَطِيعٍ مِنْ مَالِهِ فأَذِنُوا لَهُ في ذَلِكَ، ثُمَّ رَجَعُوا عَنْ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْته كَانَ لَهُم الرُّجُوعُ عَنْهُ، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ حِينَ أَذِنُوا لَهُ في ذَلِكَ كَانُوا غَيْرَ مَالِكِينَ لِشَيءٍ مِنْ مَالِهِ، بِخِلاَفِ إذْنِهِم لَهُ في حَالِ مَرَضِهِ، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ قَدْ صَارَ لَهُم إذا كَانَ مَرِيضًا في مَالِهِ سَبَبٌ يَمْنَعُ المُوصِي مِنَ التَّصَرُّفِ فِي جَمِيعِ مَالِهِ، فَلِذَلِكَ يَجُوزُ عَلَيْهِم مَا يَأْذَنُوا فِيهِ في حَالِ مَرَضِهِ، ولا يَكُونُ لَهُم سَبِيلٌ إلى الرُّجُوعِ في شَيءٍ مِنْهُ.
* قالَ عِيسَى: قَوْلُ المُخَنَّثِ في ابْنَةِ غَيْلاَنَ: "إنَّهَا تُقْبِلُ بأرْبَعٍ، وتُدْبِرُ بثَمَانٍ" [2837]، يَعْنِي: أَنَّهَا إذا أَقْبَلَتْ نَظَرتَ إلى أَرْبَعَةِ أَعْكَانٍ في بَطْنِهَا، فإذا أَدْبَرَتْ صَارَتْ ثَمَانَيَةَ، أَرْبَعَة في خَاصِرَتهَا اليُمْنَى، وأَرْبَعَةً في اليُسْرَى، فَلَمَّا سَمِعَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَصْفَهُ للنِّسَاءِ كَوَصْفِ ذُكُورِ الرِّجَالِ لَهُنَّ مَنَعَهُ مِنَ الدُّخُولِ على
¬__________
(¬1) رواه عبد الرزاق في التفسير 1/ 69، عن معمر عن ابان عن إبراهيم به، ورواه من طريقه: الطبري في التفسير 2/ 121.
(¬2) هذا قول الزهري، كما في تفسير الطبري 2/ 121، وقال: وأولى هذا الأقوال بالصواب ما قال الزهري.
الصفحة 542