كتاب تفسير الموطأ للقنازعي (اسم الجزء: 2)
وقَالَ [تَبَارَكَ وتَعَالَى] (¬1): {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} [الحج: 29] والتَّفَثُ هُوَ: ضِدُّ الطِّيبِ في حَالَةِ الإحْرَامِ.
* [قالَ] عَبْدُ الرَّحْمَنِ: لَمْ يُرَخِّصْ [مَالِكٌ بَعْدَ] (¬2) رَمْي جَمْرَةَ العَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ أَنْ يَتَطَيَّبَ حَتَّى يَطُوفَ طَوَافَ الإفَاضَةِ، كَمَا قَالَ سَالِمُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَرَخَّصَ في ذَلِكَ خَارِجَةُ بنُ زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ للوَليدِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ [1182]، فإنْ تَطَيَّبَ الرَّجُلُ بَعْدَ رَمْيهِ وَحِلَاقِةِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ للإفَاضَةِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيءٌ، لِفُتْيَا خَارِجَةَ بِذَلِكَ.
قالَ أَبو مُحَمَّدٍ: مَوَاقِيتُ الحَجِّ رُخْصَةٌ مِنَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لأُمَّتِهِ وَرِفْقًا مِنْهُ بِهِمْ.
* [قالَ] عَبْدُ الرَّحْمَنِ: قِيلَ في تَفْسِيرِ قَوْلهِ تَعَالَى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ} [البقرة: 196] أَنَّ إتْمَامَهَا أَنْ يَهِلَّ بِهَا الرَّجُلُ مِنْ بَلَدِهِ وَمَسْكَنِهِ، فَرَخَّصَ في ذَلِكَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لأُمَّتِهِ، وَوَقَّتَ لَهُمْ مَوَاقِيتَ يَهِلُّونَ مِنْهَا بالحَجِّ والعُمْرَةِ، وَلَو أَنَّ رَجُلًا خَرَجَ محرِمًا بالحجِّ مِنْ بَلَدِهِ لَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ لِطُولِ السَّفَرِ، ولامْتِنَاعِهِ مِمَّا يَسْتَبِيحُهُ الحَلَالُ [1186].
قالَ مَالِكٌ: فَلَا يُجَاوِزُ أَحَدٌ المَوَاقِيتَ مِمَّنْ يُرِيدُ دُخُولَ مَكَّةَ إلَّا مُحْرِمًا بِحَجٍّ أَو
عُمْرَةٍ.
[قالَ] عَبْدُ الرَّحْمَنِ: قُلْتُ لأَبي مُحَمَّدٍ: مَا وَجْهُ إهْلَالِ ابنِ عُمَرَ مِنَ الفُرُعِ وَهِيَ بَعِيدَةٌ مِنْ ذِي الحُلَيْفَةَ؟ [1188] فقالَ لِي: قَصَدَ ابنُ عُمَرَ إلى الفُرُعِ في حَاجَةٍ عُرِضَتْ لَهُ، فَلَمَّا انْقَضَتْ قَامَتْ لَهُ نِيَّة في السَّيْرِ إلى مَكَّةَ، فَأَهَلَّ مِنْ مَكَانِهِ ذَلِكَ، كَمَا يَفْعَلُ أَهْلُ كُلِّ بَلَدٍ مِمَّنْ هُمْ قُدَّامُ المَوَاقِيتِ إلى مَكَّةَ، يُهِلُّونَ مِنْ مَنَازِلِهِمْ.
قُلْتُ لَهُ: فَمَا وَجْهُ إهْلَالِهِ مِنْ إيلْيَاءَ، وَهِيَ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ؟ [1189]، فَقَالَ لِي: إنَّمَا أَهَلَّ مِنْهَا بالحَجِّ مِنْ أَجْلِ الفِتْنَةِ التِّي كَانَتْ بالحِجَازِ، وكَانَ النَّاسُ يُحِبُّونَ أَنْ
¬__________
(¬1) ما بين المعقوفتين أصابه المسح، ووضعت ما يتناسب مع السياق.
(¬2) ما بين المعقوفتين لم يظهر في الأصل بسبب مسحه، واستظهرته بما رأيته مناسبًا للسياق.
الصفحة 607