كتاب تفسير الموطأ للقنازعي (اسم الجزء: 2)
فقالَتْ: إنَّ أَبِي مَاتَ وَلَمْ يَحِجَّ، فقالَ لَهَا النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: حُجِّي عَنْ أَبِيكِ" (¬1).
[قالَ] عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَهَذا عَلَى سَبيلِ التَّطَوُّعِ، وَلَمْ يَرْوِ هَذا الحَدِيثَ مَالِكٌ، ولَا رَوَاهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ غَيْرَ أَيُّوبَ، ولَا رَوَاهُ عَنْ أَيُّوبَ غَيْرَ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَفِيهِ بَيَانُ: أَنَّ الحَيَّ لا يَحُجُّ عَنِ الحَيِّ.
[قالَ] عَبْدُ الرَّحْمَنِ: قالَ مَالِكٌ: لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ أَنْ يَحُجَّ عَنْ حَيٍّ زَمِنٍ أو غَيْرِه، ولَا أُحِبُّ لأَحَدٍ أَنْ يَتَطَّوَعَ بِحَجٍ عَنْ مَيِّتٍ صَرُورَةً كَانَ المَحْجُوجُ عَنْهُ أو غَيْرَ صَرُورَةٍ، وَلْيَتَطَوَّعُ عَنْهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ، إلَّا أَنْ يُوصِي أَحَدٌ أنْ يَحِجَّ بَعْدَ موتهِ فَيَنْفُذُ ذَلِكَ عَنِ المُوصِي، لِئَلَّا تُبَدَّلُ الوَصِيةُ، لِقَوْلهِ تعَالَى: {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ} [البقرة: 181] الآيةَ (¬2).
[قالَ] عَبْدُ الرَّحْمَنِ: في حَدِيثِ الخَثْعَمِيَّةِ مِنَ الفِقَهِ: إبَاحَةُ الارْتدَافِ عَلَى الدَّوَابِّ المُطِيقَةِ، وأنَّ صَاحِبَ الدَّابَّةِ أَوْلَى بِمُقَدَّمِهَا، وغَضُّ البَصَرِ عَنِ المَرْأَةِ الشَّابّهِ، لِصَرْفِ النبي - صلى الله عليه وسلم - وَجْهَ الفَضْلِ عَنْهَا إلى نَاحِيةِ أُخْرَى، وإبَاحَةُ التَّطَوُّعِ بالحَجِّ عَنْ مَنْ لا يَجبُ عَلَيهِ الحَجُّ، وفِيهِ فُتْيَا العَالِمِ وَهُوَ رَاكِبٌ، وقَدْ سُئِلَ عُثْمَانُ بنُ عَفَّانَ عَنْ مًسْأَلةٍ وَهُوَ رَاكِبٌ مُسْتَعْجِل، فقالَ للسَّائِلِ: (ارْكَبْ وَرَائِي)، فَرَكِبَ وسَارَ كَمَا هُوَ، وَسَأَلهُ فَأَفْتَاهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: (انْزِلْ) فَنَزَلَ (¬3).
* * *
¬__________
(¬1) رواه النسائي (2634) بإسناده إلى حماد بن زيد به.
(¬2) ينظر قول مالك في: المدونة 5064، والصرورة -بالصاد المهملة- هو من لم يحج قط، ينظر: النهاية 3/ 22.
(¬3) رواه سحنون في المدونة 4/ 87، والبيهقي في السنن 7/ 208.
الصفحة 630