كتاب تفسير الموطأ للقنازعي (اسم الجزء: 2)

فَقُلْتُ لأَبي مُحَمَّدٍ: مَا مَنَعَ الخُلَفَاءَ بَعْدَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَبْنُوهُ؟ فقالَ لِي: اشْتَغَلُوا عَنْ ذَلِكَ بالجِهَادِ في سَبِيلِ اللهِ، وتُرِكَ كَمَا تَرَكَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -.
[قالَ] عَبْدُ الرَّحْمَنِ: الرَّمَلُ بالبَيْتِ عِنْدَ الطَوَافِ مَأْمُورٌ بهِ، ومَنْ تَرَكَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيءٌ.
وقَدْ قِيلَ: إنَّ مَنْ تَرَكَهُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ أَنْ يَذْبَحَ شَاةً، وكَانَ سَبَبُهُ مَا رَوَاهُ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُوبَ، عَنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابنِ عَبَّاس قالَ: "قَدِمَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وأَصْحَاُبهُ مَكَّةَ وقَدْ وَهَنتهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ، فَقَالَ المُشْرِكُوَّنَ: إنَّهُ يَقْدِمُ عَلَيْكُمْ قَوْمٌ قَدْ وَهَنتهُمْ الحُمَّى، فأَطْلَعَ اللهُ نَبيَّهُ عَلَى مَا قَالُوا، فأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَرْمَلُوا إذا طَافُوا بالبَيْتِ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ، وَيَمْشُوَا أَرْبَعًا، فَلَمَّا رَآهُمْ المُشْرِكُونَ فَعَلُوا ذَلِكَ قَالُوا: هَؤُلَاءِ أَجْلَدُ مِنَا وأَقْوَى" (¬1).
في هَذا الحَدِيثِ مِنَ الفِقْه: إظْهَارُ الجَلَدِ والقُوَّةِ عِنْدَ مُلَاقَاةِ العَدُوِّ.
[قالَ] عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَسْنَدَ الوَليدُ بنُ مُسْلِمٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ: "أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إذا قَضَى طَوَافَهُ بالبَيْتِ وأَرَادَ الخُرُوجَ إلى الصَّفَا اسْتَلَمَ الحَجَرَ" (¬2).
* وهَذا الحَدِيثُ في جَمِيعِ المُوَطَّآتِ [عَنْ] (¬3) مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ: "أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كانَ إذا قَضَى طَوَافَهُ بالبَيْتِ" [1346].
* ومَالِكٌ يَسْتَحِبُّ لِمَنْ طَافَ بالبَيْتِ وَرَكَعَ أَنْ يَسْتَلِمَ الحَجَرَ، وكَذَلِكَ يَخْرُجَ إلى الصَّفَا للسَّعِي بَيْنَ الصَّفَا والمَرْوَةِ، ومَنْ تَرَكَ الاسْتِلَامَ فَلَا شَيءَ عَلَيْهِ، وقَدْ قَالَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ: "كَيْفَ صَنَعْتَ في اسْتلَامِ الرُّكْنِ الأَسْوَدِ؟ فقَالَ: اسْتَلَمْتُ وتَرَكتُ، فقَالَ: أَصَبْتَ" [1347] فَفِي هَذا بَيَانُ: أَنَّ مَنْ تَرَكَ الإسْتِلَامَ مَنْ غَلَبَةُ أَلَّا شَيءَ عَلَيْهِ.
¬__________
(¬1) رواه البخاري (1525)، ومسلم (1266)، بإسنادهم إلى حماد بن زيد به.
(¬2) ينظر: التمهيد 24/ 413.
(¬3) زيادة يقتضيها السياق.

الصفحة 634