كتاب تفسير الموطأ للقنازعي (اسم الجزء: 2)

* [قالَ] عَبْدُ الرَّحْمَنِ: لَمْ يَأْخُذْ مَالِكٌ بِفِعْلِ عُرْوَةَ إذ كَانَ يَسْتَلِمُ الأَرْكَانَ كُلَّهَا في طَوَافِهِ بالبَيْتِ [1348] وأَخَذَ في ذَلِكَ بقَوْلِ ابنِ عُمَرَ: "أَنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَمَسَّ مِنَ الأَرْكَانِ في طَوَافِهِ بالبَيْتِ إلَّا اليَمَانِيِيْنِ" (¬1).
قالَ أَبو مُحَمَّدٍ: مَعْنَى قَوْلِ عُمَرَ للحَجَرِ: (إنَّمَا أَنْتَ حَجَرٌ، ولَوْلَا أنِّي رَأيتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَبَّلَكَ مَا قبَّلْتك، ثُمَّ قَبَّلَهُ ومَضَى) [1350] يُرِيدُ: لا تَضُرُّ ولَا تَنْفَعُ، وقَدْ كُنَّا نُعَظِّمُ أَمْرَ الحِجَارَةِ في الجَاهِلِيَّةِ فَهَجَرْنَا تَعْظِيمَهَا في الإسْلَامِ، غَيْرَ أَنِّي أَفْعَلُ في تَقْبِيلِكَ مَا فَعَلَهُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ قَبْلَّهُ.
فَفِي هَذا مِنَ الفِقْه: أَنَّ سُنَنَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وأَفْعَالَهُ يُؤْتَى بِهَا كَمَا سَنَّهَا وَفَعَلَها مَا لَمْ يَنْسَخْهَا - صلى الله عليه وسلم - بِغَيْرِهَا أَو يَتْرُكُهَا الخُلَفَاءُ بَعْدَهُ لِشَيءٍ عَلِمُوهُ في ذَلِكَ.
قالَ مَالِكٌ: مَنْ طَافَ بالبَيْتِ بَعْدَ الصُّبْحِ أَو بَعْدَ العَصْرِ لَمْ يَرْكَعْ لِطَوَافِهِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ أَو تَغرُبَ.
وقالَ غَيْرُهُ: إنَّهُ يَرْكَعُ مَنْ طَافَ بالبَيْتِ في هَذَيْنِ الوَقْتَيْنِ (¬2)، واحْتَجَّ في ذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ سُفْيَانُ، عَنْ أَبي الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ بَابَاه، عَنْ جُبَيْرٍ بنِ مُطْعِمٍ، عَنِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "لا تَمْنَعُوا أَحَدًا أَنْ يَطُوفَ بِهَذا البَيْتِ ويُصَلِّي، أَيَّ سَاعَةٍ كانَ مِنْ لَيْلٍ أَو نَهَارٍ" (¬3).
* [قالَ] عَبْدُ الرَّحْمَنِ: هَذَا حَدِيثٌ لَمْ يَرْوِه أَهْلَالمَدِينَةِ، وقَدْ رَوَى أَبو الزُّبَيْرِ: (أَنَّ ابنَ عباسٍ كَانَ يَطُوفُ بَعْدَ العَصْرِ ثُمَّ يدخلُ حُجْرَتَهُ، فَلَا أَدْرِي مَا يَصْنَعُ) [1360] فَلَوْ كَانَ الرُّكُوعُ عِنْدَ ابنِ عَبَّاسٍ مَعْلُومًا بَعْدَ الصُّبْحِ وبَعْدَ العَصْرِ لَرَكَعَ في المَسْجِدِ، وَقَدْ ثَبَتَ النَّهْيُ عَنِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ التَّنَفُّلِ بَعْدَ العَصْرِ حَتَّى
¬__________
(¬1) رواه البخاري (164)، ومسلم (1187).
(¬2) هذا قول الشافعي كما في الأم 1/ 149، وينظر: التمهيد 13/ 45.
(¬3) رواه أبو داود (1894)، والترمذي (868)، والنسائي (585)، وابن ماجه (1254)، بإسنادهم إلى سفيان بن عيينة به.

الصفحة 635