كتاب تفسير الموطأ للقنازعي (اسم الجزء: 2)
رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَحِلُّوا مِنْ إحْرَامِهِمْ، ويَفْسَخُوا حُجَّهُمْ في عُمْرَةٍ، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا سَاقُوا مَعَهُمِ الهَدْيَ الذي يَلْزَمُ مَنْ سَاقَهُ في حَجِّهِ ألَّا يَنحَرَهُ حَتَّى يَرْمِيَ جَمْرَةَ العَقَبةِ ويَحِلَّ بِمِنى.
ومِثْلُ هَذا الحَدِيثِ أَيْضًا حَدِيثُ ابن عَبَّاسٍ: "أَنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أمَرَ مَنْ طَافَ وسَعَى أَنْ يَحِلَّ ثُمَّ يُنْشِيءُ الحَجَّ مِنْ مَكَّةَ" (¬1).
وقَدْ جَاءَ بَيَانُ هَذا كُلِّه في حَدِيثِ رَبِيعَةَ [عَن] (¬2) الحَارِثِ بنِ بلَالٍ، عَنْ أَبيهِ بِلَالِ بنِ الحَارِثِ أَنَّهُ قَالَ: "يا رَسُولَ اللهِ، فَسْخُ الحَجِّ لَنا خَاصَّة أَمْ لِمَن بَعْدَنَا؟ فقَالَ: لَكُمْ خَاصَّة" (¬3).
وقالَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ في هَذِه المَسْأَلةِ أَنْ نأْخُذَ بِكِتَابِ رَبنا، فإنَّ الله -عَزَّ وَجَلَّ- قالَ: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] , وأَنْ نَأْخُذَ بِسُنَّةِ نَبِيِّنَا، فَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَحِلَّ مِنْ حَجِّهِ حَتَّى نَحَرَ الهَدْيَ بِمِنَى (¬4).
[قالَ] عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَقَوْلُ عُمَرَ هَذا وحَدِيثُ بِلَالِ بنِ الحَارِثِ يَدُلاَّنِ عَلَى أَنَّهُ مَنْ أَحْرَمَ بالحَجِّ لَمْ يَفْسَخْهُ في عُمْرَةٍ، ولَمْ يَحِلَّهُ مِنْ حَجّهِ إلَّا طَوَافُ الإفَاضَةِ.
وفِي حَدِيثِ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: "خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَامَ حَجَّةِ الوَدَاعِ، فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، ومِنَّا مَنْ أَهَل بِحَجٍّ وعُمْرَةٍ، ومِنَّا مَنْ أَهَلَّ بالحَجِّ، وأَهَلَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بالحَجِّ، فَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمَرَةٍ فَحَلَّ، وأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بالحَجِّ، أَو جَمَعَ الحَجِّ والعُمْرَةَ فَلَمْ يَحِلُّوا حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ" (¬5).
[قالَ] عَبْدُ الرَّحْمَنِ: بِهَذا الحَدِيثِ أَخَذَ أَهْلُ المَدِينَةِ فِيمَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ مُفْرَدٍ، أَو جَمَعَ بَيْنَ الحَجِّ والعُمْرَةِ أنَّهُ لا يَفْسَخُ حَجَّهُ في عُمْرَةٍ.
¬__________
(¬1) رواه البخاري (1644)، ومسلم (1245).
(¬2) جاء في الأصل: (بن) وهو خطأ، وربيعة هو ابن عبد الرحمن الرأي.
(¬3) رواه أبو داود (1808) بإسناده إلى ربيعة به.
(¬4) ينظر قول عمر - رضي الله عنه -في صحيح البخاري (1484)، ومسلم (1221).
(¬5) رواه البخاري (1487)، ومسلم (1211)، بإسنادهما إلى عروة بن الزبير به.
الصفحة 649