كتاب تفسير الموطأ للقنازعي (اسم الجزء: 2)
مَكَّةَ وإنْ كَانَتْ قَدْ طَافَتْ طَوَافَ الإفَاضَةِ حَتَى تَطُوفَ بالبَيْتِ طَوَافَ الوَدَاعِ) (¬1)، وكانَ طَوَافُ الوَدَاعِ عِنْدَ ابنِ عُمَرَ وَاجِبَاً، وَلَمْ يَأْخُذْ بِهَذا مَالِكٌ، وأَخَذَ بِقَوْلِ عَائِشَةَ: (أَنَّ المَرْأةَ إذا طَافَتْ طَوَافَ الإفَاضَةِ ثُمَّ حَاضَتْ أَنَّهَا تَنْفِرُ إلى بَلَدِهَا وتَتْرُكُ طَوَافَ الوَدَاعِ)، وَبِمِثْلِ هَذا قالَ ابنُ عَبَّاسٍ أَنَّهَا إذا أَفَاضَتْ ثُمَّ حَاضَتْ أَنَّهَا تَنْفِرُ إلى بَلَدِهَا إنْ شَاءَتْ (¬2).
* [قالَ] عَبْدُ الرَّحْمَنِ: وفِي حَدِيثِ صَفِيَّةَ بنتِ حُيَيٍّ بَيَانُ هَذا، وذَلِكَ أَنَّهَا حَاضَتْ بَعْدَما طَافَتْ طَوَافَ الإفَاضَةِ، فَذَكَرتْ حَيْضَتَها لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فقالَ: "أَحَابسَتُنَا هِي؟ " [1554]، يَعْنِي: أَتَحْبسَنَا عَنِ الرَّحِيلِ حَتَّى تَطْهُرَ مِنْ حَيْضَتِهَا، وتَطُوَفَ بالبَيْتِ طَوَافَ الإفَاضَةِ، فَقِيلً لَهُ: إنَّهَا قَدْ أَفَاضتْ، قالَ: "فَاخْرُجْنَ إذاً".
فَبَيَّنَ - صلى الله عليه وسلم - فِي هَذا الحَدِيثِ أَنَّ طَوَافَ الوَدَاعِ لَيْسَ بِفَرْضٍ، وأَن الفَرْضَ هُوَ طَوَافُ الإفَاضَةِ، وأنَّ الحَائِضَ إذا حَاضَتْ بَعْدَهُ خَرَجَتْ إلى بَلَدِهَا وتَرَكَتْ طَوَافَ الوَدَاعِ، ولِذَلِكَ قَالَتْ عَائِشَةُ في حَدِيثِها: (ونَحْنُ نَذْكرُ ذَلِكَ، فَلِمَ يَقُدِّمُ النَّاسُ نِسَاءَهُمْ إنْ كَانَ ذَلِكَ لَا يَنْفَعُهُن؟) [1557]، يَعْنِي: نحْنُ نَذْكُرُ قَوْلَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اخْرُجْنَ إذاً".
ونَحْتَجُّ بِذَلِكَ فِي هَذِه المَسْأَلةِ عَلَى مَنْ يَقُولُ: إنَّ المَرْأةَ إذا حَاضَتْ قَبْلَ طَوَافِ الوَدَاعِ أَنَّهَا تُقِيمُ حَتَى تَطُهُرَ ثُمَّ تَطُوفَ للوَدَاعِ، وكَذَلِكَ تَخْرُجُ مِنْ مَكَّةَ (¬3).
وحَدِيثُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - يُبيِّنُ أَنَّهَا تَخْرُجُ وتترُكُ طَوَافَ الوَدَاعِ، قَالَتْ عَائِشَةُ: (ولَوْ كَانَ قَوْلَ الذي يَقُولُونَ حَقَّا لأَصْبَحَ بِمِنَى أَكثَرُ مِنْ سِتَّةِ آلافِ امْرَأةٍ حَائِضٍ كُلُّهُنَّ قَدْ أَفَضْنَ)، يَعْنِي: لَو كَانَ قَوْلَ الذي يَقُولُ: لاَبُدَّ للحَائِضِ أَنْ تَبْقَى بِمَكَّةَ حَتَّى تَطُوفَ للوَدَاعِ حَقَّاً، لَبَقِيَ مِنَ النِّسَاءِ بِمَكَةَ كَثيرٌ، كُلُهُن قَدْ أَفَضْنَ يَنتظِرْنَ الطُّهْرَ ثُمَّ
¬__________
(¬1) رواه البخاري (323)، وكان هذا من ابن عمر في أول الأمر إلا أنه رجع عن ذلك ورخص في الخروج لهن قبل طواف الوداع، ينظر: التمهيد 17/ 270.
(¬2) رواه البخاري (323)، وابن حبان (3898).
(¬3) ينظر هذا القول في التمهيد 17/ 269.
الصفحة 665