كتاب تفسير الموطأ للقنازعي (اسم الجزء: 2)
بابُ مَا يُوجِبُ عَلَى الرَّجُلِ العَقْلُ في مَالِهِ،
ومِيرَاثِ العَقْلِ، والتَّغْلِيظِ فِيهِ
* السُّنَّةُ الثَّابِتَةُ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى العَاقِلَةِ عَقْلٌ فِي قَتْلِ العَمْدِ، [وإنَّمَا] (¬1) عَلَيْهِمْ عَقْلُ قَتْلِ الخَطَأ، وأنَّ دِيةَ العَمْدِ عَلَى الجَانِي، وأَنَّهَا لَا تُقَطعُ عَلَيْهِ كَمَا تُقَطَّعُ دِيةُ الخَطَا عَلَى العَاقِلَةِ (¬2)، ولَكَنْ يَنْبَغِي لِوَليّ الدَّمِ أَنْ يُتْبِعَ القَاتِلَ بِمَعْرُوفٍ، ويُؤَدِّي إليه المَطْلُوبَ بإحْسَانٍ، ولَيْسَ فِي ذَلِكَ أَجَلٌ يُحْكَمُ بهِ (¬3) عَلَى أَوْلِيَاءِ القَتِيلِ، وتُورَثُ الدِّيةُ عَلَى فَرَائِضِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وتَرِثُ مِنْهَا الزَّوْجَةُ فَرْضَهَا فِي كِتَابِ اللهِ، لِقَوْلهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: {فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ}، كَمَا قَالَ [فِي مَوْضِعٍ آخَرَ جَلَّ وعَزَّ] (¬4): {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه: 132]، ولَىْ يَسْتَثْنِ بَعْضَ الأَهْلِينَ فِي تَسْلِيمِهِم الدِّيةَ إليهِم، إلَّا مَنْ مَنَعَتْهُ الشَّرِيعَةُ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ القَاتِلُ الذِي يَقْتُلُ وَليَّهُ لِيَرِثَهُ، فَهَذا يُمْنَعُ مِيرَاثُهُ، لِقَولِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَيْسَ لِقَاتِلٍ مِيرَاث" (¬5)، فَصَارَ هَذا مَمْنُوعَاً مِنَ المِيرَاثِ، بِسَبِبِ مَا أَحْدَثَهُ مِنَ القَتْلِ، فَوَجَبَ بهَذا أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَنْ لَيْسَ بمَنُوع أنْ يَرِثَ مَا وَجَبَ لَهُ مِنَ الدِّيةِ، وقَدْ وَرَّثَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - امرأة أشْيَمَ الضَّبَابِيِّ مِنْ دِيةِ زَوْجِهَا، وحَكَمَ بهِ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ [3228]، كَمَا حَكَمَ عَلَى الذِي رَمَى ابْنَهُ بالسَّيْفِ فَقَتَلَهُ بالدِّيَةِ مُغَلَّظَةً، ولَمْ يَقْتُلْهُ بهِ
¬__________
(¬1) من (ق)، وفي الأصل: إنما.
(¬2) قوله (تقطع) أي تنجَّم وتقسَّط على العاقلة.
(¬3) في (ق): فيه.
(¬4) من (ق).
(¬5) رواه ابن ماجه (2646)، والبيهقي 6/ 220، من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.
الصفحة 694