كتاب تفسير الموطأ للقنازعي (اسم الجزء: 2)

مِنْهُمَا: {إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} [البقرة: 102]، [وقَدْ] (¬1) قالَ اللهُ [جَلَّ وعَزَّ]: {وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}، قالَ المُفَسِّرُونَ: يَعْنِي: بَاعُوا أَنْفُسَهُمْ للَقَتْلِ بِتَعْلِيمِهِم السِّحْرَ وعَمَلِهِ (¬2).
[قالَ] عَبْدُ الرَّحْمَنِ: والذِي يُؤْمَرُ بهِ سَيِّدُ العَبْدِ إذا عَمِلَ العَبْدُ السِّحْرَ أَنْ يُرْفَعَ
أَمْرُهُ إلى السُّلْطَانِ، فَيَكُونُ السُّلْطَانُ هُوَ الذِي يَقْتُلُهُ بَعْدَمَا يَثْبُتُ ذَلِكَ عِنْدَهُ.
قالَ عِيسَى: كُلُّ مَنْ وَجَبَ لَهُ القَوَدُ فَلَمْ يُحْكِمْ قَتْلَ قَاتِلِ وَلِيِّهِ، أَو جَزَعَ لِذَلِكَ فَلَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يُجْهِزُ عَلَى المَقْتُولِ إذا كَانَ القَتْلُ بالسَّيْفِ، وأما إذا كَانَ القَتْلُ بالعَصَا فإنَّ الوَليَّ يَضْرِبُ أَبَدأ بِمِثْلِ مَا قُتِلَ بهِ وَلِيُّهُ حَتَّى تَذْهَبَ نَفْسُ القَاتِلِ، ولَا يُتْرَكُ يَطُولُ تَعْذيبه لَيَحْتهدْ فى ذَلكَ.
[قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ] (¬3): إنَّمَا وَجَبَ الحَدُّ عَلَى المُفْتَرِي قَبْلَ أَنْ يُقْتَلَ إذا افْتَرَى عَلَى أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ مَعَرَّةَ الفِرْيةِ تَبْقَى عَلَى المُفْتَرَى عَلَيْهِ إذا لَمْ يُجْلَدْ قَاذِفُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْتَلَ ولَيْسَ ذَلِكَ فِي الجِرَاحِ، لأَنَّ القَتْلَ يأتِي عَلَيْهَا، فَلِذَلِكَ لَا يُجْرَحُ المُفْتَرِي لِمَنْ جَرَحَهُ قَبْلَ أَنْ يُقْتَلَ، إلَّا أنْ يَعْفُوا أَوْلِياءُ النَّفْسِ لَهُ عَنْ قَتْلِهِ عَلَى أَخْذِ دِيةٍ أَو غَيْرِهَا، فإنَّهُ يُقْتَصُّ مِنْهُ حِينَئِذٍ لأَهْلِ الجِرَاحِ.
[قالَ] عَبْدُ الرَّحْمَنِ: لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الحُرِّ والعَبْدِ قَوَد فِي شَيءٍ مِنَ الجِرَاحِ، مِنْ أَجْلِ أنَّ العَبْدَ سِلْعَة مِنَ السِّلَعِ، فَعَلَى مَنْ جَرَحَهُ أَو أَعَابَهُ قَدْرَ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ صَحِيحَاً، ولَمْ يُقْتَل الحُرُّ بالعَبْدِ لأَنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- قَالَ: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة: 178]، فَجَعَلَ نَفْسَ [الُحرِّ] (¬4) مُمَاثِلَةً لِنَفْسِ حُرٍّ مِثْلِهِ، كَمَا جَعَلَ نَفْسَ العَبْدِ مُمَاثِلَة لِعَبْدٍ مِثْلِهِ، فإذا قَتَلَ حُرٌّ عَبْدَاً خَطَأ وَدَى قِيمَتَهُ إلى سَيِّدِه، فإنْ قتَلَهُ عَمْدَاً أَدَّبَهُ السُّلْطَانُ، وأَخَذَ سَيِّدُهُ مِنْهُ قِيمَتَهُ، ويُقْتَلُ العَبْدُ بالحُرِّ.
¬__________
(¬1) زيادة من (ق)، وكذا المعقوفتين بعدها.
(¬2) إلى هنا انقطعت نسخة (ق) في هذا الموضع.
(¬3) في الأصل: (ع) وهي مختصر لإسم المصنف.
(¬4) ما بين المعقوفتين زيادة يقتضيها السياق.

الصفحة 699