كتاب الجهاد لعبد الله بن المبارك - ط المطبوعات الحديثة (مقابل)

8 - عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ يَمْجُدَ، حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: النَّاسُ فِي الْغَزْوِ جُزْءَانِ: فَجُزْءٌ خَرَجُوا يُكْثِرُونَ ذِكْرَ اللَّهِ, وَالتَّذْكِيرَ بِهِ، وَيَجْتَنِبُونَ الْفَسَادَ فِي الْمَسِيرِ، وَيُوَاسُونَ الصَّاحِبَ، وَيُنْفِقُونَ كَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ، فَهُمْ أَشَدُّ اغْتِبَاطًا بِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ مِنْهُمْ بِمَا اسْتَفَادُوا مِنْ دُنْيَاهُمْ، وَإِذَا كَانُوا فِي مَوَاطِنِ الْقَتْلِ، اسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ فِي تِلْكَ الْمَوَاطِنِ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَى رِيبَةٍ فِي قُلُوبِهِمْ، أَوْ خِذْلاَنٍ لِلْمُسْلِمِينَ، فَإِذَا قَدَرُوا عَلَى الْغُلُولِ طَهَّرُوا مِنْهُ قُلُوبَهُمْ، وَأَعْمَالَهُمْ, فَلَمْ يَسْتَطِعِ الشَّيْطَانُ أَنْ يَفْتِنَهُمْ، وَلاَ يُكَلِّمَ قُلُوبَهُمْ، فَبِهِمْ يُعِزُّ اللَّهُ دِينَهُ، وَيَكْبِتُ عَدُوَّهُ, وَأَمَّا الْجُزْءُ الآخَرُ، فَخَرَجُوا، فَلَمْ يُكْثِرُوا ذِكْرَ اللَّهِ، وَلاَ التَّذْكِيرَ بِهِ، وَلَمْ يَجْتَنِبُوا الْفَسَادَ، وَلَمْ يُوَاسُوا الصَّاحِبَ، وَلَمْ يُنْفِقُوا أَمْوَالَهُمْ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ، وَمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ رَأَوْهُ مَغْرَمًا، وَحَزَّنَهُمْ بِهِ الشَّيْطَانُ, فَإِذَا كَانُوا عِنْدَ مَوَاطِنِ الْقِتَالِ كَانُوا مَعَ الآخِرِ الآخِرِ، وَالْخَاذِلِ الْخَاذِلِ، وَاعْتَصَمُوا بِرُءُوسِ الْجَبَلِ، يَنْظُرُونَ مَا يَصْنَعُ النَّاسُ، فَإِذَا فَتَحَ اللَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ، كَانُوا أَشَدَّهُمْ تَخَاطُبًا بِالْكَذِبِ، فَإِذَا قَدَرُوا عَلَى الْغُلُولِ اجْتَرَأُوا فِيهِ عَلَى اللَّهِ، وَحَدَّثَهُمُ الشَّيْطَانُ أَنَّهَا غَنِيمَةٌ، إِنْ أَصَابَهُمْ رَخَاءٌ بَطَرُوا، وَإنْ أَصَابَهُمْ حَبْسٌ فَتَنَهُمُ الشَّيْطَانُ بِالْعَرَضِ، فَلَيْسَ لَهُمْ مِنْ أَجْرِ الْمُؤْمِنِينَ شَيْءٌ، غَيْرُ أَنَّ أَجْسَادَهُمْ مَعَ أَجْسَادِهِمْ، وَمَسِيرَهُمْ مَعَ مَسِيرِهِمْ، دُنْيَاهُمْ وَأَعْمَالُهُمْ شَتَّى، حَتَّى يَجْمَعَهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمْ.

الصفحة 63