كتاب القضاء والقدر للأشقر

ثم بين الحق تبارك وتعالى أن السيئات التي هي المصائب ليس لها سبب إذا أذنب العبد إلا من نفسه، وأما ما يصيب العبد من الخير فلا تنحصر أسبابه، لأنه من فضل الله، يحصل بعمل العبد وبغير عمله من إنعام الله عليه، فالواجب على العباد أن يشكروا ربهم ويحمدوه على ما أنعم به عليهم، كما يجب أن يكثروا من التوبة والأوبة والاستغفار مما اقترفوه من ذنوب سببت لهم المصائب والبلايا.
وإذا أنت تأملت في قوله: (ما أصابك من حسنة ... ) (وما أصابك من سيئة) علمت أن الحسنة والسيئة هي فعل الله بالعباد التي هي المصائب والنعم، أما قوله (فمن نفسك) أي بسبب ذنوب العبد وخطاياه، وهذا وإن كان مقدراً إلا أن الله قدر تكون المصيبة بسبب الذنب.
أما الحسنات والسيئات التي هي أفعال العباد فلا يقال فيها: (ما أصابك) وإنما يقول: (من جاء بالحسنة فله خير منها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الذين عملوا السيئات إلا ما كانوا يعملون) [القصص: 84] . وإنما قال هنا: (جاء) لأن الحسنة فعل الجائي، ولذلك صرح بهذا في جانب الذنوب والمعاصي: (فلا يجزى الذين عملوا السيئات إلا ما كانوا يعملون) [القصص: 84] (¬1) .
4- كيف يخلق الله الشر ويقدره؟
وقد يشاغب بعض القدرية فيقولون: إنَّ الله مقدس عن فعل الشر، وإن الواجب على العباد أن ينزهوا ربهم عن الشر وفعله، وهؤلاء خلطوا حقاً
¬_________
(¬1) راجع في هذا المبحث: مجموع فتاوى شيخ الإسلام: 8/110، 224.

الصفحة 70