كتاب القضاء والقدر للأشقر

وقد يسمون هذا حقيقة باعتبار أنه حقيقة الربوبية " (¬1) .
وعرض ابن القيم لهذه الفرقة وضلالاتها في كتابه القيم " شفاء العليل " فقال: " ثم نبغت طائفة أخرى زعمت أن حركة الإنسان الاختيارية - ولا اختيار - كحركة الأشجار عند هبوب الرياح، وكحركات الأمواج، وأنه على الطاعة مجبور، وأنه غير ميسر لما خلق له، بل هو عليه مجبور ومقصور.
ثم تلاهم أتباعهم على آثارهم مقتدين، ولمنهاجهم مقتفين، فقرروا هذا المذهب وانتموا إليه، وحققوه، وزادوا عليه أن تكاليف الرب تعالى لعباده كلها تكليف مالا يطاق، وأنها في الحقيقة كتكليف المقعد أن يرقى إلى السبع الطباق، فالتكليف بالإيمان وشرائعه تكليف بما ليس من فعل العبد، ولا هو بمقدوره، وإنما هو تكليف بفعل من هو منفرد بالخلق، وهو على كل شيء قدير، فكلف عباده بأفعاله، وليسوا عليها قادرين، ثم عاقبهم عليها، وليسوا في الحقيقة لها فاعلين.
ثم تلاهم على آثارهم محققوهم من العُبَّاد، فقالوا: ليس في الكون معصية البتَّة، إذ الفاعل مطيع للإرادة موافق للمراد، كما قيل:
أصبحت منفعلاً لما يختاره ××× مني ففعلي كله طاعات
ولاموا بعض هؤلاء على فعله فقال: إن كنت عصيت أمره، فقد أطعت إرادته، ومطيع الإرادة غير ملوم، وهو في الحقيقة غير مذموم، وقرر محققوهم من المتكلمين في هذا المذهب بأن الإرادة والمشيئة والمحبة في حق الرب سبحانه هي واحدة، فمحبته هي نفس مشيئته، وكل ما في
¬_________
(¬1) مجموع فتاوى شيخ الإسلام: 8/257.

الصفحة 75