كتاب القضاء والقدر للأشقر

الكون فقد أراده وشاءه، وكل ما شاءه فقد أحبه.
... ولقد ظنت هذه الفرقة بالله أسوأ الظنون، ونسبته إلى أقبح الظلم، وقالوا: إن أوامر الرب ونواهيه كتكليف العبد أن يرقى فوق السماوات، وكتكليف الميت إحياء الأموات، والله يعذب عباده أشدَّ التعذيب على فعل مالا يقدرون على تركه، وعلى ترك مالا يقدرون على فعله، بل يعاقبهم على نفس فعله الذي هو لهم غير مقدور، وليس أحد ميسر له، بل هو عليه مقهور، ونرى العارف منهم ينشد مترنماً، ومن ربه متشكياً ومتظلماً:
ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له ××× إياك إياك أن تبتل بالماء " (¬1) .
وقد تنبه ابن القيم إلى أن هذا الصنف من البشر قصدوا " تحميل ذنوبهم على الأقدار، وتبريئها من الذنوب والأوزار، وقالوا إنها في الحقيقة فعل الخلاق العليم. " (¬2) .
وتنبه المقدم لكتاب " الشفاء " إلى أن هذا السبب هو الذي جعل " الاتجاه السائد في كل العصور هو الجبر " فقال: " عقيدة الجبر تحمل عن الإنسان تبعاته، وتضع عنه أوزار ما اقترف من الإثم، وتلقي التبعة على القوة التي حركت الإنسان، ودفعت رغبته وقادته في تصرفاته، فكاد السواد الأعظم من الناس يدين بالجبر، فمن كان وثنياً اعتقد بأن أمره بيد الآلهة التي يعبدها، يلقي التبعة على الدهر، ويعتقد أن المرء طوع تقلب الحدثان.
¬_________
(¬1) شفاء العليل لابن القيم: ص 15 - 16.
(¬2) شفاء العليل: ص 16.

الصفحة 76