كتاب القضاء والقدر للأشقر

فيه، حتى بلغ بنا وبهم إلى أن قلنا: إن الله جبرنا على ما نهانا عنه، وحال بيننا وبين ما أمرنا به، ورزقنا ما حرَّم علينا.
فقلت: يا هؤلاء، إن الذين أتوكم بما أتوكم به قد ابتدعوا بدعة، وأحدثوا حدثاً، وإني أراكم قد خرجتم من البدعة إلى مثل ما خرجوا إليه.
فقال الأوزاعي: أصبت وأحسنت يا أبا إسحاق. " (¬1) .
الثاني: إنكار الاختيار في أفعال العباد نقص في العقل:
الذين يزعمون أن الإنسان ليس له إرادة يفعل بها ألغوا عقولهم، فضلوا وأضلوا، وإلا فإننا نعلم من أنفسنا أن حركتنا ليست كحركة الجماد، الذي لا يملك شيئاً لذاته في تحركه وسكونه.
بل إننا نفرق بين الحركات غير الإرادية التي تجرى في أجسادنا وبين الحركات الإرادية، فحركة القلب، وحركة الرئتين، وجريان الدم في دورته في عروق الإنسان، وآلاف العمليات المعقدة التي تجري في أجسادنا - من غير أن نعرفها ونعلم بها - ليس لنا فيها خيار، بل هي حركات اضطرارية ليس للإنسان إرادة في إيجادها وتحقيقها، ومثل ذلك حركة المرعوش الذي لا يملك إيقاف اهتزاز يده.
أما أكل الإنسان وشربه وركوبه، وبيعه وشراؤه، وقعوده وقيامه، وزواجه وطلاقه، ونحو ذلك فهو يتم بإرادة وقدرة ومشيئة، والذين يسلبون الإنسان هذه القدرة ضلت عقولهم، واختلفت عندهم الموازين.
والقرآن مليء بإسناد الأفعال إلى من قاموا بها كقوله تعالى: (وجاء من
¬_________
(¬1) مجموع فتاوى شيخ الإسلام: 8 / 103.

الصفحة 81