كتاب القضاء والقدر للأشقر

السماوات والأرض وما بينهما والأفلاك وما حوته لها خالق مدبر غيرها، وذلك أن كل ما يصدر عن فلك أو كوكب أو ملك أو غير ذلك، فإنك تجده ليس مستقلاً بإحداث شيء من الحوادث، بل لا بدَّ له من مشارك ومعاون، وهو مع ذلك له معارضات وممانعات " (¬1) .
" فكل سبب له شريك وله ضد، فإن لم يعاونه شريكه، ولم يُصرف عنه ضده لم يحصل سببه، فالمطر وحده لا ينبت إلا بما ينضم إليه من الهواء والتراب وغير ذلك، ثم الزرع لا يتمُّ حتى تصرف عنه الآفات المفسدة له، والطعام والشراب لا يغذي إلا بما جعل في البدن من الأعضاء والقوى ومجموع ذلك لا يفيد إن تصرف المفسدات " (¬2) .
والعقلاء من البشر يعلمون أنهم لا يستقلون بفعل ما يريدون، فكثير منهم تتهيأ له الأسباب، ثم يحال بينه وبين ما يشتهي وما يريد (حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالأمس) [يونس: 24] .
يذكر اللالكائي أن رجلاً طلب من جاريته أن تسقيه، فجاءته بقدح من زجاج، فصبت له ماء، فوضعه على راحته، ثم رفعه إلى فيه، ثم قال: يزعم ناس أني لا أستطيع أن أشرب هذا، ثم قال: هي حرة إن لم أشربه (يعني جاريته التي صبت الماء)
فما كان من الجارية إلا ضربت القدح بِردنْ قميصه، فوقع القدح وانكسر وأهراق الماء (¬3) .
¬_________
(¬1) مجموع فتاوى شيخ الإسلام: 8/170.
(¬2) مجموع فتاوى شيخ الإسلام: 8 /167.
(¬3) شرح أصول أهل السنة: 727.

الصفحة 86