كتاب القضاء والقدر للأشقر

من هؤلاء تزري بأصحاب العقول، وتجعل أصحابها في مرتبة أقل من البهائم، يذكر عن واحد من هؤلاء أنه رأى غلامه يفجر بجاريته، فلما أراد معاقبتهما، وكان غلامه يعرف مذهبه في القدر، فقال له: إن القضاء والقدر لم يدعانا حتى فعلنا ذلك.
فقال له ذلك الجاهل: لَعِلْمُكَ بالقضاء والقدر أحب إليَّ من كل شيء، أنت حرّ لوجه الله.
ورأى آخر رجلاً يفجر بزوجته، فأقبل يضربها وهي تقول: القضاء والقدر، فقال: يا عدوة الله أتزنين وتعتذرين بمثل هذا؟
فقالت: أوَّه تركت السنة، وأخذت بمذهب ابن عباس.
فتنبه، ورمى بالسوط من يده، واعتذر إليها، وقال: لولا أننت لضللت.
ورأى آخر رجلاً يفجر بامرأته، فقال: ما هذا؟
فقالت: هذا قضاء الله وقدره.
فقال: الخيرة فيما قضى الله. فلقب بالخيرة فيما قضى الله (¬1) .
ولو كان الاحتجاج بالقدر صحيحاً لأمكن لكل واحد أن يقتل ويفسد ويأخذ الأموال ويظلم العباد، فإذا سئل عن أفعاله احتج بالقدر، وكل العقلاء يعلمون بأن هذه الحجة مرفوضة غير مرضية، وإلا فإن الحياة تفسد.
وكثير من الذين يحتجون بالقدر لظلمهم وفسقهم وضلالهم يثورون إذا ما وقع عليهم الظلم، ولا يرضون من غيرهم أن يحتج على ظلمه لهم بالقدر.
¬_________
(¬1) نقل عن ابن القيم هذه الوقائع وغيرها صاحب معارج القبول: 2/255.

الصفحة 88