كتاب فضائل فاطمة الزهراء لأبي عبد الله الحاكم

حديث آخر :
133- حَدَّثَنَا أبو إسحاق إبراهيم بن مُحَمَّد بن يحيى المزكي ، قال : حَدَّثَنَا أبو حامد أحمد بن مُحَمَّد بن الحسن الحافظ حَدَّثَنَا عبد الله بن عبد الوهاب الخوارزمي ، قال : حَدَّثَنَا أحمد بن حماد المروزي ، قال : حَدَّثَنَا محبوب بن حميد البصري ، وسأله عن هذا الحديث : روح بن عبادة ، قال : حَدَّثَنَا القاسم بن بهرام عن ليث عن مجاهد عن ابن عباس في قوله تعالى : { يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا } [ الإنسان 7 ] قال : مرض الحسن والحسين فعادهما جدهما رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وعادهما عامة العرب فقالوا يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك نذرا ، وكل نذر ليس له وفاء فليس بشيء .
فقال علي : إن برئا مما بهما صمت لله ثلاثة أيام شكرا . وقالت فَاطِمَة كذلك فألبس الغلامان العافية ، وليس عند آل مُحَمَّد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قليل ولا كثير فانطلق علي إلى شمعون بن جابر اليهودي الخيبري ، فاستقرض منه ثلاثة آصع من شعير ، جاء به فوضعه في ناحية البيت ، فقامت فَاطِمَة إلى صاع فطحنته واختبزته وصلى علي مع النبي عليه السَّلام .
ثم أتى المنزل فوضع الطعام بين يديه إذ أتاهم مسكين ، فوقف بالباب فقال السَّلام عليكم أهل بيت مُحَمَّد ، مسكين من أولاد المسلمين ، أطعموني أطعمكم الله على موائد الجنة فسمعه علي فأنشأ يقول :
أفاطم يا ذات السداد واليقين...يا بنت خير الناس أجمعين
أما ترين البائس المسكين...قد قام بالباب له حنين
يشكو إلى الله ويستكين...يشكو إلينا جائع حزين
كل امرىء بكسبه رهين...من يكسب الخير يقف سمين
فأنشأت فَاطِمَة رَضِىَ الله عَنْها تقول :
أمرك لي نعم سمع وطاعة...ما بي من لؤم ولا وضاعة
غذيت في الخير له صناعة...أطعمه ولا أبالي الساعة
أرجو بأن أنقذ من مجاعة...وألحق الأحباب والجماعة
وأدخل الجنة لي شفاعة
قال : فاعطوه الطعام ومكثوا يومهم وليلتهم ولم يذوقوا شيئا إلا الماء القراح .
فلما كان اليوم الثاني قامت فَاطِمَة إلى صاع فطحنته واختبزته وصلى علي مع النبي عليه السَّلام .
ثم أتى المنزل فوضع الطعام بين يديه إذ أتاهم يتيم ، فوقف بالباب فقال السَّلام عليكم أهل بيت مُحَمَّد ، يتيم من أولاد المهاجرين استشهد أبي يوم العقبة ، أطعموني أطعمكم الله على موائد الجنة .
فسمعه علي ، فأنشأ يقول :
أفاطم بنت السيد الكريم...بنت نبي ليس بالذميم
قد جاءنا الله بهذا اليتيم...من يرحم اليوم يكن رحيم
ويدخل الخلد وهوسليم...قد حرم الخير على اللئيم
ولا يجوز في الصراط المستقيم...يُدَكُّ في النار إلى الحميم
شرابه الصديد والحميم
فأنشأت فَاطِمَة تقول :
أطعمه اليوم ولا أبالي...وأوثر الله على عيالي
أمسوا جياعًا وهم أشبالي...أصغرهم يقتل في القتال
بكربلا يقتل باغتيال...الويل للقاتل والوبال
يهوي في النار إلى سفال...وفي يديه الغل والأغلال
كبوله زاد على الأكبال
قال : فأعطوه الطعام ومكثوا يومين وليلتين لم يذوقوا شيئا إلا الماء القراح ، فلما كان في اليوم الثالث قامت فَاطِمَة إلى الصاع الباقي .
وقال الخوارزمي مرة : إلى الصاع الثالث ، فطحنته واختبزته وصلى علي مع النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ .
ثم أتى المنزل فوضع الطعام بين يديه إذا أتاهم أسير ، فوقف بالباب فقال : السَّلام عليكم يا أهل بيت مُحَمَّد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ تأسرونا ولا تطعمونا أطعموني ، فإني أسير مُحَمَّد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ، أطعمكم الله على موائد الجنة ، فسمعه علي فأنشأ يقول :
أفاطم يا بنت النبي أحمد...بنت نبي سيد مؤيد
الله سماه بحمده مُحَمَّد...قد زانه ربي بحسن أعبد
هذا أسير للنبي المهتد...مثقل في غله مقيد
شكا إلينا الجوع بالتمرد...من يطعم اليوم يجاز في غد
عند العلي الواحد الموحد...ما يزرع الزارع سوف يحصد
أعطيه واجعليه منفد...وارتجي به جزاء سيد
فأجابت فَاطِمَة :
لم يبق مما جئت غير صاع...قد دميت كفي مع الذراع
أبنائي والله هما جياع...يارب لا تتركهما ضياع
أبوهما للخير ذو صناع...يصنع المعروف بابتداع
عبل الذراعين شديد الباع...وما على رأسي من قناع
إلا عباء نسجه نساع
قال : فأعطوه الطعام ومكثوا ثلاثة أيام ولياليها لم يذوقوا شيئا إلا الماء القراح ، فلما كان اليوم الرابع وقد قضى الله نذرهم أخذ علي بيده اليمنى الحسن ، وبيده اليسرى الحسين ، وأقبل نحو رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع فلما بصر به النبي عليه الصلاة والسَّلام قال : يا أبا الحسن ما أشد ما أرى بكم انطلق إلى ابنتي فَاطِمَة فانطلقوا إليها وهي في محرابها قد لصق بطنها بظهرها من شدة الجوع وغارت عيناها فلما رآها النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قال أعوذ بالله أهل بيت مُحَمَّد يموتون جوعا ، فهبط جبريل عليه السَّلام فقال يا مُحَمَّد خذها قال وما آخذ يا جبريل ، فأقرأه : { هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا } إلى قوله : { إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا } . [ الإنسان 1 - 9 ]

الصفحة 167