كتاب الداء والدواء = الجواب الكافي ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 1)

وقد قال مالك للشافعي (¬1) لمّا اجتمع به ورأى تلك المخايل (¬2): إني أرى الله قد ألقى على قلبك نورًا، فلا تطفئه بظلمة المعصية (¬3).
ولا يزال هذا النور يضعف ويضمحلّ، وظلام المعصية يقوى، حتى يصير القلب في مثل الليل البهيم. فكم من مَهْلكٍ يسقط فيه، وهو لا يبصره (¬4)، كأعمى خرجِ بالليل في طريق ذات مهالك ومعاطب. فيا عزّةَ السلامة، ويا سرعةَ العطب!
ثم تقوى تلك الظلمات، وتفيض من القلب إلى الجوارح، فيغشى الوجهَ منها سوادٌ (¬5) بحسب قوتها وتزايدها. فإذا كان عند الموت ظهرت في البرزخ، فامتلأ القبر ظلمةً، كما قال النبي- صلى الله عليه وسلم -: "إنّ هذه القبور ممتلئة على أهلها ظلمةً وإنّ الله منوّرها بصلاتي عليهم" (¬6).
فإذا كان يومُ المعاد وحشرِ الأجساد علت الوجوهَ علوًّا ظاهرًا يراه كلُّ أحد، حتّى يصير الوجه أسود مثل الحُمَمة. فيالها عقوبةً (¬7) لا توازن لذاتِ الدنيا بأجمعها من أولها إلى آخرها! فكيف بقسط العبد المنغَّص المنكَّد المتعَب في زمن إنّما هو ساعة من حُلْم! فالله المستعان.
¬__________
(¬1) س: "رحمة الله عليهما".
(¬2) ف: "المحافل"، تحريف. وفيها بعد ذلك: "إني أرى على قلبك نورًا".
(¬3) سبق في ص (133).
(¬4) س: "لا يبصر".
(¬5) ز: "فتغشى الوجوه منها سوادَا".
(¬6) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. أخرجه مسلم في الجنائز، باب الصلاة على القبر (956).
(¬7) س: "من عقوبة".

الصفحة 188