كتاب الداء والدواء = الجواب الكافي ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 1)

استأثرَ اللهُ بالوفاء وبالـ ... ـحمد وولّى الملامةَ الرّجُلا (¬1)
فأيّ نعمةٍ وصلت من الله إليه استكثرها على نفسه، ورأى نفسه دونها، ولم يرها أهلًا لها. وأي نقمة أو بليّة وصلت إليه رأى نفسه أهلًا لما هو أكبر (¬2) منها، ورأى مولاه قد أحسن إليه، إذ لم يعاقبه على قدر جُرمه ولا شطرِه ولا أدنى جزء منه. فإنّ ما يستحقّه من العقوبة لا تحمله الجبال الراسيات، فضلًا عن هذا العبد الضعيف العاجز.
فإنّ الذنب وإن صغر، فإنّ مقابلةَ العظيم الذي لا شيء أعظم منه، الكبير الذي لا شيء أكبر منه، الكريم الذي لا أجلَّ منه ولا أجملَ، المنعِمِ بجميع أصناف النعم دقيقِها وجليلِها = من أقبح الأمور وأفظعها وأشنعها. فإنّ مقابلةَ العظماء والأجلاّء وسادات الناس بمثل ذلك (¬3) يستقبحه كلُّ أحد مؤمن وكافر. وأرذلُ الناس وأسقطُهم مروءةً مَن قابلَهم بالرذائل، فكيف بعظيم السموات والأرض، وملِك السموات والأرض [42/ ب]، وإلهِ أهل السموات والأرض (¬4)؟
ولولا أنّ رحمتَه غلبت غضبَه، ومغفرتَه سبقت عقوبتَه، وألاّ (¬5)
¬__________
(¬1) من قصيدة منسوبة إلى الأعشى في ديوانه (283). والرواية المشهورة: "بالوفاء وبالعدل". وقد أنشده المؤلف في أكثر من موضع. انظر طريق الهجرتين (11) وشفاء العليل (132) والمدارج (1/ 195).
(¬2) ل، ز: "أكثر".
(¬3) "وأشنعها ... بمثل" ساقط من ف. وفيها: "وذلك".
(¬4) "وملك السموات ... " إلى هنا ساقط من ف.
(¬5) "وإلاّ" وقعت هنا في غير موقعها، ولا يستقيم المعنى إلا بحذفها. وقد تكرّر استعمال "وإلاّ" على هذا الوجه في كلام المؤلف وشيخه، ولعله كان أسلوبًا دارجَا في زمنهما. انظر مثلًا طريق الهجرتين (44)، وشفاء العليل (119) =

الصفحة 209