كتاب طريق الهجرتين وباب السعادتين - ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 1)

فالخلق فقير محتاج إلى ربه بالذات لابعلة، وكل مايذكر ويقدر (1)
من أسباب الفقر والحاجة فهي أدلة على الفقر والحاجة، لا علل لذلك؛
إذ ما بالذات لا يعلل. فالفقير بذاته محتاج إلى الغني بذاته، فمايذكر من
إمكان وحدوث واحتياج فهي أدلة على الفقر، لا أسباب له.
ولهذا كان الصواب في مسألة علة احتياج العالم إلى الرب تعالى غير
القولين اللذين يذكرهما (2) الفلاسفة والمتكلمون، فان الفلاسفة قالوا:
علة الحاجة الامكان، والمتكلمون قالوا: علة الحاجة الحدوث.
والصواب أن الإمكان والحدوب متلازمان، وكلاهما دليل الحاجة
والافتقار. وفقر العالم إلى الله عزوجل أمر ذاتي لا يعلل، فهو فقير بذاته
إلى ربه الغني بذاته. ثم يستدل بامكانه وحدوثه وغير ذلك من الادلة على
هذا الفقر.
والمقصود أله سبحانه أخبر عن حقيقة العباد وذواتهم بأنها فقيرة إليه
[3/ا] عزوجل، كما أخبر عن ذاته المقدسة وحقيقته أله غني حميد.
فالفقر المطلق من كل وجه ثابت لذو تهم وحقائقهم من حيث هي،
والغنى المطلق من كل وجه ثابت لذاته تعالى وحقيقته من حيث هي.
فيستحيل أن يكون العبد إلا فقيزا، ويستحيل أن يكون الرب تعالى إلا
غنيا، كما أله يستحيل أن يكون العبد إلا عبدا والرب إلا ربا.
إذا عرف هذا، فالفقر فقران: فقر اضطرار (3)، وهو فقر عام
لاخروج لبر ولافاجر عنه. وهذا الفقر لايقتضي مدخا ولاذما
(1)
(2)
(3)
" ط ": " يقرر "، تحر يف.
"ف": "تذكرهما". والاصل غير منقوط.
"ط ": " اضطراري ".
13

الصفحة 13