كتاب طريق الهجرتين وباب السعادتين - ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 1)

فقوله: " الفقر اسم للبراءة من روية الملكة " يعني أن الفقير هو الذي
يجرد روية الملك لمالكه الحق، فيرى نفسه مملوكة لله، لا يرى نفسه
مالكا بوجه من الوجوه، ويرى أعماله مستحقة عليه بمقتضى كونه
مملوكا عبدا مستعملا فيما أمره به سيده ه فنفسه مملوكة، و عماله
مستحقة بموجب العبودية، فليس مالكا لنفسه ولا لشيء من ذراته
ولا لشيء من أعماله، بل كل ذلك مملوك عليه مستحق عليه؛ كرجل
اشترى عبدا بخالص ماله ثم علمه بعض [4/أ] الصنائع، فلما تعلمها قال
له: اعمل و د إلي، فليس لك في نفسك ولا في كسبك شيء. فلو
حصل بيد هذا العبد من الاموال والاسباب ما حصل لم ير له فيها شيئا،
بل يراها (1) كالوديعة في يده، وأنها أموال أستاذه وخزائنه ونعمه، بيد
عبده مستودعها (2)، متصرفا فيها لسيده لالنفسه، كما قال عبدالله
ورسوله وخيرته من حلقه: "والله إني لا أعطي أحدا، ولا منع أحدا،
وانما أنا قاسم أضع حيث أمرت " (3).
فهو متصرف في تلك الخزائن بالامر المحض تصرف العبد المحض
الذي وظيفته تنفيذ أوامر سيده. فالله هو المالك الحق، وكل ما بيد حلقه
هو من أمواله وأملاكه وخزائنه، أفاضها عليهم ليمتحنهم في البذل
والامساك، وهل يكون ذلك منهم على شاهد العبودية لله عزوجل،
فيبذل (4) أحدهم الشيء رغبة في ثواب الله، ورهبة من عقابه، وتمربا
(1)
(2)
(3)
(4)
" ك، ط ": " يراه ".
"ك، ط ": " مستردعا ".
من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. أخرجه البخاري في كتاب فرض الخمس
(17 31). وانظر المسند (16: 180) (0257 1).
"ك ": "فبذل".
20

الصفحة 20