كتاب طريق الهجرتين وباب السعادتين - ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 1)

ثم تعبد له باسمه "الآخر" بأن تجعله وحده غايتك التي لا غاية لك
سواه، ولا مطلوب لك وراءه. فكما انتهت إليه الاواخر، وكان بعد كل
آخر، فكذلك اجعل نهايتك إليه، فان إلى ربك المنتهى، إليه انتهت
الاسباب والغايات، فليس وراءه مرمى ينتهى إليه. وقد تقدم التنبيه على
ذلك وعلى التعبد باسمه "الظاهر".
وأما التعبد باسمه "الباطن" فاذا شهدت إحاطته بالعوالم، وقرب
البعيد (1) منه، وظهور البواطن له، وبدو السرائر له (2)، و له لا شيء بينه
وبينها، فعامله بمقتضى هذا الشهود، وطهر له سريرتك، فالها عنده علانية؛
و صلح له غيبك، فاله عنده شهادة؛ وزك له باطنك، فإله عنده ظاهر.
فانظر كيف كانت هذه الاسماء الاربعة جماع المعرفة بالله، وجماع
العبودية له. فهنا وقفت شهادة العبد مع فضل خالقه ومنته، فلا يرى
لغيره شيئا إلا به وبحوله وقو! له؛ وغاب بفضل مولاه الحق عن جميع ما
منه هو مما كان يستند إليه، أويتحلى به، أويتخذه عقدة (3)، اويراه ليوم
فاقته، أويعتمد عليه في مهمة من مهماته. فكل ذلك من قصور نظره
وانعكاسه عن الحقائق والاصول إلى الاسباب والفروع، كماهو شأن
الطبيعة والهوى، وموجب الظلم والجهل، والإنسان ظلوم جهول.
فمن جلى الله سبحانه صد بصيرته، وكمل فطرته، و وقفه على
مبادئ الامور وغاياتها ومناطها ومصادرها ومواردها، أصبح
(2)
(3)
"ك، ط":"العبيد" ..
"له" ساقط من "ك، ط".
"ف": "عقدهدا، وكذا في "ط ". وفي "ك ": "عمده ". ولعل الصواب ما اثبتانا،
والعقدة هي المال الذي يقتنيه المرء.
50

الصفحة 50