كتاب طريق الهجرتين وباب السعادتين - ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 2)

كان قبلها، لم تكن التوبة قد محت أثر الذنب ولا فادت في الماضي
شيئا. ومان عاد إلى دون منزلته ولم يبلغها، فبلوغه تلك الدرجة إلما كان
بالتوبة، فلو ضعف تأثير التوبة عن إعادته إلى منزلته الأولى لضعف عن
تبليغه تلك المنزلة التي وصل إليها. وإن لم تكن التوبة ضعيفة التأثير عن
تبليغه تلك المنزلة لم تكن ضعيفة التأثير عن إعادته إلى المنزلة الأولى.
قالوا: و يضا فالله (1) سبحانه ربط (2) الجزاء بالأعمال ربط الأسباب
بمسبباتها، فالجزاء من جنس العمل. فكما رجع التائب إلى الله بقلبه
رجوعا تاما، رجع الله عليه بمنزلته وحاله. بل مارجع العبد إلى الله تعالى
حتى رجع الله بقلبه إليه أولا، فرجع الله إليه وتاب عليه ئانيا. فتوبة العبد
محفوفة بتوبتين من الله: توبة منه إذنا وتمكينا، فتاب بها العبد، وتاب الله
عليه قبولا ورضى. فتوبة العبد بين توبتين من الله، وهذا يدل على عنايته
سبحانه وبره ولطفه بعبده التائب. فكيف يقال: إله لا يعيده مع هذا
اللطف والبر (3) إلى حاله؟
قالوا: وأيضا فإن التوبة من أجل الطاعات، وأوجبها على المؤمنين،
وأعظمها غناء عنهم، وهم إليها أحوج من كل شيء. وهي من أحب
الطاعات إلى الله سبحانه، فاله يحب التوابين، ويفرح بتوبة عبده إذا تاب
إليه أعظم فرح وأكمله. واذا كانت بهذه المثابة فالاتي بها آت بما هو من
أفصل القربات وأجل الطاعات. فاذا كان قد حصل له بالمعصية انحطاط
ونزول مرتبة، فبالتوبة يحصل له مزيد تقدم وعلو درجة، فان لم تكن
(1)
(2)
(3)
"ف": "فإن الله "، خلاف الاصل. وكذا في "ك".
"ط": "ربط سبحانه الجزاء".
"ف": "اللطف الاكبر" تحريف.
507

الصفحة 507