كتاب طريق الهجرتين وباب السعادتين - ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 2)

ثم لاصحاب هذه الطريق مسلكان:
أحدهما: مسلك التناقض البين. وهو إثبات كثير من الصفات،
ولايلتفت فيها إلى هذا الخيال، بل جممبتها مجردة عن خصائص
المخلوق، كالعلم والقدرة والارادة والسمع والبصر وغيرها ه فإن كان
إثبات تلك الصفات التي نفاها يستلزم المحذور الذي فر منه، فكيف لم
يستلزمه إثبات ما أثبته؟ وان كان إثبات ما أثبته لا يستلزم محذورا فكيف
يستلزمه إثبات ما نفاه؟ وهل في التناقض أعجب من هذا؟
و لمسلك الثاني: مسلك النفي [ه 7/ب] العام والتعطيل المحض،
هربا من التناقض، والتزافا لاعظم الباطل وأمحل المحال (1).
فاذن الحق المحض في الاثبات المحض الذي أثبته الله تعالى لنفسه
في كلامه وعلى لسان رسوله، من غير تشبيه ولا تمثيل، ومن غير
تحريف ولا تبديل. ومنشأ غلط المحرفين إلما هو ظنهم أن مايلزم الصفة
في المحل المعين يلزمها لذاتها، فينفون ذلك اللازم عن الله تعالى،
فيضطرون في نفيه إلى نفي الصفة!
ولا ريب ان الأمور ثلاثة: أمر يلزم الصفة لذاتها من حيث هي، فهذا
لا يجب بل لا يجوز نفيه، كما يلزم العلم والسمع والبصر من تعلقها
بمعلوم ومسموع ومبصر، فلايجوز نفي هذه التعلقات عن هذه
(1)
"المحال" من "حول" لا من "محل"، فصياكة اسم التفضيل منه "امحل" على
التوهم. وقد تكرر "أمحل المحال " في كتب المؤلف. انظر مثلا: زاد المعاد
(1/ 36، 07 2، 272)، والصواعق (197، 645)، ومدارج السالكين (1/ 129)،
وانظر: مجمع الامثال (3/ 357 - 358).
516

الصفحة 516