كتاب طريق الهجرتين وباب السعادتين - ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 2)

استعطاف ربه واستعتابه ودعائه إياه إلى العود إلى وليه ومولاه الحق
الذي هو أولى به. فاذا عاد إليه وتاب إليه فهو بمثابة من أسر له العدو
(1)
محبوبا له، واستولوا عليه، وحالوا بينه وبينه، لمحهرب منهم ذلك
المحبوب، وجاء إلى محبه اختيارا وطوعا حتى توسد عتبة بابه، فخرج
المحب من بيته، فوجد محبوبه متوسدا عتبة بابه واضعا خده وذقنه
عليها، فكيف يكون فرحه به؟ ولله المثل الاعلى. ويكفي في هذا المثل
الذي ضربه رسوله لمن (2) فتح الله عين قلبه، فأبصر ما في طيه وما في
ضمنه، وعلم أله ليس كلام مجازفة (3) ولا مبالغة ولا تخييل، بل كلام
معصوم في منطقه وعلمه وقصده وعمله. كل كلمة منه في موضعها
ومنزلتها ومقرها، لا يتعدى بها عنه، ولا يقصر بها.
والذي يزيد هذا المعنى تقريرا أن محبة الرب لعبده سبقت محبة
العبد له سبحانه، فانه لولا محبة الله له لما جعل محبته في قلبه. فلما
أحبه ألهمه (4) حبه، و ثره به؛ فلما احئه العبد جازاه على تلك المحبة
محبة أعظم منها. فانه من تقرب إليه شبرا تقرب إليه ذراعا، ومن تقرب
إليه ذراعا تقرب إليه باعا، ومن أتاه مشيا أتاه هرولة (). وهذا دليل على
أن محبة الله لعبده الذي يحبه فوق محبة العبد له. فاذا (6) تعرض هذا
(1)
(2)
(3)
(4)
(5)
(6)
كذا ورد "له" مرتين في الاصل وغيره.
"ب": "فمن".
"ط": "مجاز".
"ك، ط": ". . قلبه فاله الهمه".
كما في الصحيحين من حديث انس رضي الله عنه. انظر: صحيح البخاري،
كتاب التوحيد (7405) وصحيح مسلم، كتاب التوبة (2675).
"ك، ط ": " واذا".
528

الصفحة 528