كتاب طريق الهجرتين وباب السعادتين - ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 2)

فهذا منتهى إقدام الطائفتين، ومحط نظر الفريقين. واليك أيها
المنصف الحكم بينهما، فقد دلى كل منهما بحجته، وقام ببينته (1)،
والحق لا يعدوهما ولا يتجاوزهما (2). فأرشد الله من أعان (3) على
هدى، فنال به درجة الداعين إلى الله القائمين ببيان حججه ودينه؛ أ و
عذر طالبا منفردا في طريق مظلبه، قد انقطع رجاوه من رفيق في الطريق،
فغاية أمنيته أن يخلى بينه وبين سيره، و ن لا يقطع عليه طريقه. فمن رفع
له مثل هذا العلم، ولم يشمر إليه، فقد رضي بالدون، وحصل على
صفقة المغبون. ومن شمر إليه، ورام أن لا يعارضه معارض،
ولا يتصدى له ممانع، فقد منى نفسه المحال! وإن صبر على لأوائها
وشدتها، فهو -والله - الفوز المبين والحظ الجزيل. وما توفيقي
إلا بادله، عليه توكلت، واليه أنيب.
فالصواب (4) - إن شاء الله - في هذه المسألة أن يقال: لا ريب أ ن
الذنب نفسه لا ينقلب حسنة، والحسنة لما هي أمر وجودي يقتضي
ثوابا، ولهذا كان تارك المنهيات إلما يثاب على كف نفسه وحبسها عن
! (3)
مواقعة المنهي، وذلك الكف والحبس أمر وجودي هو متعلق الثواب.
وأما من لم يخطر بباله الذنب أصلا، ولم يحدث به نفسه، فهذا كيف
يثاب على تركه؟ ولو أثيب مثل هذا على ترك هذا الذنب لكان مثابا على
ترك ذنوب 791/ب] العالم التي لا تخطر بباله، وذلك أضعاف حسناته بما
(1) "ك، ط": "أقام بينته ".
(2) "ب ": " لا يجاوزهما".
(3) "ف": "دل "، خلاف الاصل.
(4) " ب ": " والصواب ".
(5) " ط ": "وهو ".
543

الصفحة 543