كتاب طريق الهجرتين وباب السعادتين - ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 2)

وارتباط أحدهما بالاخر. ولو لم يكن في هذه الرسالة إلا هذه الفائدة
السرية (1) لكانت حقيقة أن تودع في خزانة القلب؛ لشدة الحاجة إليها.
والله المستعان وعليه التكلان.
فظهر أن التوكل أصل لجميع مقامات الايمان والإحسان، ولجميع
أعمال الاسلام، و ن منزلته منها منزلة الجسد من الرأس. فكما لا يقوم
الرأس إلا على البدن، فكذلك لا يقوم الايمان ومقاماته وأعماله إلا على
ساق التوكل. والله أعلم.
[82/ا] الوجه الثاني: أن قوله في التوكل: "إده في طريق الخواص
عمى عن الكفاية، ورجوع إلى الاسباب. . " إلى اخر كلامه، مضمونه أ ن
التوكل لا يتم إلا برفض الاسباب، والاعراض عنها جملة؛ والتوكل من
أقوى الاسباب و عظمها في حصول المطلوب، فكأله قد رفض سببا،
وتعلق بسبب، وقد ناقض في أمره. ولهذا قال: "فصار بدلا عن تلك
الاسباب، فكألك (2) تعلقت بما رفضته ". فهذه هي النكتة التي لاجلها
صار التوكل عنده. من منازل العوام. وهذه هي عين (3) مسألة الجمع بين
التوكل والسبب، بل هذه مسألة تعليل نفس التوكل.
فيقال: قولك: "إله عمى عن الكفاية " ليس كذلك، بل هو نظر إلى
نفس الكفاية وملاحظة لها. ولا ريب ان الكفاية من الله لا تنال إلا
بأسبابها من عبوديته، وسببها المقتضي لها هو التوكل، كما قال الله
(1)
(2)
(3)
أي: الشريفة الجليلة.
"ب، ك، ط": "وكانك".
رسمها في الاصل يشبه "غير"، وكذا في "ف" وغيرها. ولكن السياق يقتضي ما
اثبتنا.
562

الصفحة 562