كتاب طريق الهجرتين وباب السعادتين - ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 2)

تعالى: < ومن يمؤكل على الله فهو حسبهح>1 ادط! ق/ 3]. أي: كافيه. فجعل
التوكل سببا للكفاية، فربط الكفاية بالتوكل كربط سائر الاسباب
بمسبباتها، فكيف يقال: " إن التوكل عمى عن الكفاية "؟ وهل التوكل إلا
محض العبودية التي جزاوها الكفاية، وهي لا تحصل بدونه؟ بلى (1)،
العلة هاهنا شهود حصولها بفعلك وتوكلك، غير ناظر إلى مسبب
الاسباب الذي أجرى عليك هذا السبب ليوصلك به إلى الكفاية. فأول
الامر وآخره منه، فهو المنعم بالسبب والمسبب جميعا؛ ولكن لا يوجب
نظر العبد إلى المسبب المنعم بالسبب (2) قطع نظره عن السبب والقيام
به، بل الواجب القيام بالامرين معاه
الوجه الثالث: أن قوله: " إله رجوع إلى الاسباب " إن أراد به (3) أله
رجوع إلى سبب ينقص العبودية ويضعف التوكل، فليس كذلك؛ وظاهر
أن الامر ليس كذلك. وان أراد به أله رجوع إلى سبب نصبه الله مقتضيا
للكفاية منه، ورتب عليه جزاء لا يحصل بدونه، فهذا حق؛ ولكن القيام
بهذا السبب محض الكمال، ونفس العبودية. وهو كجعل الاسلام
والايمان والاحسان أسبابا مقتضية للفلاح والسعادة، بل كجعل سائر
أعمال القلوب والجوارح أسبابا مقتضية لما رولب عليها من الجزاء، وهل
الكمال إلا القيام بهذه الاسباب؟ فالاسباب التي تكون مباشرتها نقصا
هي الاسباب التي تضعف التوكل، وأما أن يكون التوكل نفسه ناقصا
لكون التحقق به تحققا بالسبب، فقلب للحقائق!
(1) كذا في الاصل و"ف". وفي غيرهما: "بل". وانظر نحو ذلك في ص (546).
(2) "والمسبب جميعا. . ." إلى هنا ساقط من "ب".
(3) "به" ساقط من "ب".
563

الصفحة 563