كتاب طريق الهجرتين وباب السعادتين - ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 2)

الوجه الرابع: ان قوله: " لانك رفضت الاسباب ووقفت مع التوكل"
إن أراد به رفض الاسباب جملة، فهذا كما أنه ممتنع عقلا وحشا، فهو
محرم شرعا ودينا؛ فان رفض الاسباب بالكلية انسلاخ من العقل
والدين. وان أراد به رفض الوقوف معها والوثوق بها، و ئه يقوم بها قيام
ناظرٍ إلى مسببها (1)، فهذا حق؛ ولكن النقص لا يكون في السبب ولا في
القيام به، وإنما يكون في الاعراض عن المسبب تعالى، كما تقدم. فمنع
الاسباب أن تكون أسبابا قدح في العقل والشرع. واثباتها والوقوف معها
وقطع النظر عن مسببها قدح في التوحيد والتوكل. والقيام بها، وتنزيلها
منازلها، والنظر إلى مسببها، وتعلق القيام به - جمع بين الامر والتوحيد،
وبين الشرع والقدر؛ وهو الكمال، والله أعلم.
1 لوجه الخامس: قوله: "فصار التوكل بدلا عن تلك الأسباب ". هذا
حمتى، فان التوكل من أعظم الاسباب، ولكنه بدل عنها؛ كما تكون الطاعة
بدلا عن المعصية، والتوحيد بدلا عن الشرك. فهو بدل واجب، مأمور
به، مطلوب من العبد. والمذموم أن يجعل العبد الاسباب بدلا عن
التوكل، لا ن يجعل التوكل بدلا عن الأسباب.
1 لوجه السادس: قوله: "فكأئك تعلقت (2) بما رفضته من حيث
معتقدك الانفصال " ليس كذلك، فان المرفوض هو التعلق بغير الله
والالتفات إلى سواه (3)، فهذا هو الذي رفضه. و ما الذي تعلق به فهو
(1) في "ط": "إلى سببها"، وهو خطا. وعطف "ائه يقوم " على "رفض".
(2) كذا نقل هعا وفي الوجه لثاني. ولفظه في اول الفصل: "فكانك معلق ".
(3) "ف": "إلى ماسواه "، خلاف الاصل.
564

الصفحة 564