كتاب طريق الهجرتين وباب السعادتين - ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 2)
الوجه السادس: قوله: "الصبر حيس النفس على مكروه، وعقل (1)
اللسان عن الشكوى، ومكابدة الغصص في تحمله، وانتظار الفرج عند
عاقبته ".
فيقال: هذا أحد أقسام الصبر، وهو الصبر على البلاء. و ما الصبر
على الطاعة فقد يعرض فيه ذلك أو بعضه، وقد لا يعرض فيه، بل يتحلى
بها وياتي بها محبة ورضى، ومع هذا فالصبر واقع عليها، فاله حيس
النفس على مداومتها والقيام بها. قال تعالى: <واضحبر نفسك ح الذين
يدعون ربهم) الاية [الكهف/ 28]. و ما الصبر عن المعصية فقد يعرض
فيه ذلك أو بعضه، وقد لا يعرض فيه، لتمكن (2) الصابر من قهر داعيها
وغلبته.
وإذا كان ما ذكر من الامور الاربعة إلما يعرض في الصبر على البلية،
فقوله: "إله في طريق الخاصة تجلد ومناو ة وجرأة ومنازعة " ليس
كذلك، والما فيه التجلد، فأين المناوأة والجرأة والمنازعة؟ و ما لوازم
الطبيعة من وجود الم البلوى فلا تنقلب ولا تعدم، فلا يصح أن يقال: إ ن
وجود التألم والتجلد عليه وحيس النفس عن التسخط واللسان عن
الشكوى جرأة ومنازعة، بل هو محض العبودية والاستكانة وامتثال
الأمر، وهو من عبودية الله سبحانه المفروضة على عبده في البلاء،
فالقيام بها عين كمال العبد. ولوازم الطبيعة لا بد منها، ومن رام أ ن
لا يجد البرد والحر (3) والجوع والعطش والالم عند تمام أسبابها وعللها
(1) "ف": "عقد"، خلاف الاصل.
(2) قراءة "ف": "ليمكن"، والصواب ما ثبتنا من غيرها.
(3) "ب ": "الحز والبرد".
580