كتاب طريق الهجرتين وباب السعادتين - ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 2)

وفر! بين من يحمله على ترك معصية سيده خوفه من سوطه وعقوبته،
وبين من يحمله على ذلك حئه لسيده. وفي هذا قال عمر: "نعم العبد
صهيب، لو لم يخف الله لم يعصه " (1) يعني أنه لو لم يخف من الله لكان
في قلبه من محبة الله وإجلاله ما يمنعه من معصيته. فالمحب الصادق
عليه رقيب من محبوبه يرعى قلبه وجوارحه، وعلامة صدق المحبة
شهود هذا الرقيب ودوامه.
وههنا لطيفة يجب التنبه لها، وهي أن المحبة المجردة لا توجب هذا
الاثر ما لم تقترن بإجلال المحبوب وتعظيمه، فاذا قارنها الإجلال (2)
والتعظيم أوجبت هذا الحياء والطاعة، وإلا فالمحبة الخالية عنهما إنما
توجب نوع أنس وانبساط وتذكر واشتياق. ولهذا يتخلف عنها ثرها
وموجبها (3)، ويفت! ش العبد قلبه فيرى نوع محبة لله، ولكن لا تحمله على
ترك معاصيه، وسبب ذلك تجردها عن الاجلال و لتعظيم. فما عمر
القلب شيء كالمحبة المقترنة بإجلال الله وتعظيمه، وتلك من أفضل
مواهب الله لعبده أو فضلها، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
السبب السادس: شرف النفس وزكاوها وفضلها و نفتها وحميتها أ ن
تختار الاسباب التي تحطها وتضع قدرها، وتخفض منزلتها وتحقرها،
وتسوي بينها وبين السفلة.
(1) وهو أثر مشهور، ولكن لم يوقف له على أصل. انظر: المقاصد الحسنة
(526). و نظر في تأويله: بدائع الفوائد (92) وجامع المسائل لشيخ الاسلام
(315/ 3).
(2) "ط": "بالاجلال".
(3) "وموجبها" ساقط من "ب".
590

الصفحة 590