كتاب طريق الهجرتين وباب السعادتين - ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 1)

وهذا هو التجريد الذي سمت إليه همم السالكين. فمن تجرد عن ماله
وحاله وكسبه وعلمه (1)، ثم تجرد عن شهود تجريده، فهو المجرد
عندهم حفا، وهذا هو (2) تجريد القوم الذي عليه يحومون، واياه
يقصدون. ونهايته عندهم التجريد بفناء وجوده، وبقائه بموجوده،
بحيث يفنى من لم يكن، ويبقى من لم يزل، ولا غاية عندهم وراء هذا.
ولعمر الله إن وراءه تجريدا أكمل منه، ونسبته إليه كتفلة في بحر،
وشعرة في ظهر بعير. وهو تجريد الحب والارادة عن الشوائب والعلل
والحظوظ، فيتوحد حبه كما توحد محبوبه، ويتجرد عن مراده من
محبوبه بمراد محبوبه منه، بل يبقى مراد محبوبه منه هو (3) نفس مراده.
وهنا يعقل الاتحاد الصحيح، وهو اتحاد المراد، فيكون عين مراد
المحبوب هو عين مراد المحب. وهذا هو غاية الموافقة وكمال
العبودية، ولا تتجرد المحبة عن العلل والحظوظ التي تفسدها إلا بهذا.
فالفرق بين محبة حظك ومرادك من المحبوب و نك إلما تحبه لذلك،
وبين 4 محبة مراد المحبوب منك ومحبتك له لذاته و له أهل أن يحب.
و ما الاتحاد في الارادة فمحال، كما أن الاتحاد في المريد محال،
فالارادتان متباينتان. و ما مراد المحب والمحبوب إذا خلصت المحبة
من العلل والحظوظ فواحد. فالفقر والتجريد و [لفناء من واد واحد.
(1) "ط":"عمله ".
(2) "هو" ساقط من "ك، ط".
(3) "ك": "هو من نفس". "ط": "محبوبه هو من نفس".
(4) كلمة "بين" غير واضحة في الأصل فكتب في حاشيته: "ظ" أي انظر. وكذا في
حاشية "ف".
62

الصفحة 62