كتاب طريق الهجرتين وباب السعادتين - ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 1)

دال على فقر صاحب الاختيار إلى ذلك الشيء المختار، ومن كان فقيرا
إلى شيء لم يرده الله عزوجل لم يطلق عليه اسم الغني بتدبير الله
عزوجل. فلا يتم الغنى بتدبير الرب عزوجل لعبده إلا بالمسالمة لحكمه
بعد الوقوف على حسن تدبيره.
ثم يبقى عليه الخلاص من معنى اخر، وهو مخاصمة الخلق بعد
الخلاص من منازعة الرفي. فإن مخاصمة (1) الخلق دليل على فقره إلى
الامر الذي وقعت فيه الخصومة من الحظوظ العاجلة، ومن كان فقيرا
إلى حط من الحظوظ، يسخط (2) لفوته، ويخاصم الخلق عليه، لا يطلق
عليه اسم الغني حتى يسلم الخلق من خصومته لكمال (3) تفويضه إلى
وليه وقيومه ومتولي تدبيره.
فمتى سلم العبد من علة فقره إلى السبب، ومن علة منازعته لاحكام
الله عزوجل، ومن علة مخاصمته للخلق على حظوظ = استحق أن يكون
غنيا بتدبير مولاه، مفوضا إليه، لا يفتقر قلبه إلى غيره، ولا يسخط شيئا
من أحكامه، ولا يخاصم عباده إلا في حقوق ربه؛ فتكون مخاصمته لله
وبالده، ومحاكمته إلى الله؛ كما كان النبي عقير يقول في استفتاح صلاة
الليل: "اللهم لك أسلمت وبك امنت، وعليك توكلت، واليك أنبت،
وبك خاصمت، واليك حاكمت " (4).
(1) " ك، ط ": " منا زعة ".
(2) " ك ": " ينحط "، تحريف.
(3) " ك، ط ": " بكما ل ".
(4) اخرجه البخاري في كتاب التهجد (1120)، ومسلم في صلاة لمسافرين
(769) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
73

الصفحة 73