كتاب طريق الهجرتين وباب السعادتين - ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 1)

فتكون مخاصمة هذا العبد دده، لا لهواه وحطه؛ ومحاكمته خصمه
إلى أمر الله وشرعه، لا إلى شيء سواه. فمن خاصم لنفسه فهو ممن اتبع
هواه، [13/ب] وانتصر لنفسه. وقد قالت عائشة: " ما انتقم رسول الله ع! ي!
لنفسه قط" (1)، وهذا لتكميل عبوديته. ومن حاكم خصمه إلى غير الله
ورسوله فقد حاكم إلى الطاغوت، وقد أمر أن يكفر به، ولا يكفر العبد
بالطاغوت حتى يجعل الحكم لله وحده، كما هو كذلك في نفس الامر.
والحكم حكمان (2): حكم كوني قدري، وحكم أمري ديني. فهذا
الذي ذكره الشيخ في "منازل السائرين " وشرحه عليه الشارحون إدما
مراده به (3) الحكم الكوني القدري. وحينئذ فلا بد من تفصيل ما جملوه
من مسألة الحكم والاستسلام له وترك المنازعة له، فإن هذا الاطلاق غير
مأمور به، ولا ممكن للعبد في نفسه.
بل الأحكام ثلاثة: " حكم شرعي ديني "، فهذا حقه ان يتلقى بالمسالمة
والتسليم وترك المنازعة، بل الانقياد المحض. وهذا تسليم العبودية
المحضة، فلا يعارض بذوق ولا وجد ولا سياسة ولا قياس ولا تقليد،
ولا يرى إلى خلافه سبيلا البتة، وإلما هو الانقياد المحض والتسليم
والاذعان والقبول. فإذا تلقى بهذا التسليم والمسالمة إفرا را وتصديقا
بقي هناك انقياد اخر وتسليم اخر له إرادة وتنفيذا وعملا، فلا تكون له
شهوة تنازع مراد الله من تنفيذ حكمه، كما لم تكن له شبهة تعارض إيمانه
(1) اخرجه البخاري في كتاب الادب (6126) وغيره، ومسلم في الفضائل
(2327).
(2) "ك، ط": "نوعان".
(3) "به" ساقط من "ف".
74

الصفحة 74