كتاب طريق الهجرتين وباب السعادتين - ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 1)

تقربا اخر، فصار التقرب منك محفوفا بتقربين منه تعالى: تقرب قبله،
وتقرب بعده؛ والحب منك محفوفا بحبين منه: حمب قبله، وحمب بعده؛
والذكر منك محفوفا بذكرين: ذكر قبله، وذكر بعده؟
فلولا سابق ذكره إياك لم يكن من ذلك كله شيء، ولا وصل إلى
قلبك ذرة مما وصل إليه من معرفته وتوحيده ومحبته وخوفه ورجائه
والتوكل عليه والانابة إليه والتقرب إليه. فهذه كلها اثار ذكره لك.
ثم إله سبحانه ذكرك بنعمه المترادفة المتواصلة بعدد الانفاس، فله
عليك في كل طرفة عين ونفس نعم عديدة ذكرك بها قبل وجودك،
وتعرف بها إليك، وتحبب بها إليك، مع غناه التام عنك وعن كل شيء.
وإلما ذلك مجرد إحسانه وفضله وجوده، إذ هو الجواد (1) المحسن
لذاته، لا لمعاوضة، ولا لطلب جزاء منك، ولا لحاجة دعته الى ذلك،
كيف وهو الغني الحميد؟ فاذا وصل إليك أدنى نعمة منه فاعلم أله ذكرك
بها، فلتعظم عندك لذكره لك بها، فإله (2) ما حقرك من ذكرك بإحسانه،
وابتد ك بمعروفه، وتحبب إليك بنعمته؛ هذا كله مع غناه عنك.
فإذا شهد العبد ذكر رئه له، ووصل شاهده إلى قلبه شغله ذلك عما
سواه، وحصل لقلبه به غنى عال لا يشبهه شيء. وهذا كما يحصل
للمملوك الذي لا يزال أستاذه وسيده يذكره ولا ينساه، فهو يحصل له
- بشعوره بذكر أستاذه له - غنى زائد على إنعام سيده عليه وعطاياه السنية
له؛ فهذا هو غنى ذكر الله للعبد.
(1) زاد هنا في "ك، ط ": "المفضل ".
(2) "ط ": "فاثها".
85

الصفحة 85