كتاب طريق الهجرتين وباب السعادتين - ط عالم الفوائد (اسم الجزء: مقدمة)
المذكورة ينطوي على تألم شديد لما آل إليه أمر المسلمين في عهده من
إعراض عن سنة الرسول ع! يم في عقائدهم وعباداتهم ومعاملاتهم،
واشتغال بأفكار ومذاهب وبدع وعادات ما أنزل الله بها من سلطان،
فقال: "وأما الهجرة الى الرسول لمجم! ه، فمعلم لم يبق منه سوى رسمه،
ومنهج لم تترك منه بنيات الطريق سوى اسمه، ومحجة سفت عليها
السوافي فطمست رسومها، وأغارت عليها الاعادي فغورت مناهلها
وعيونها. فسالكها غريب بين العباد، فريد بين كل حي وناد، بعيد على
قرب المكان، وحيد على كثرة الجيران، مستوحش مما [به] يستأنسون،
مستأنس مما به يستوحشون. . . والمقصود أن هذه الهجرة النبوية شأنها
شديد، وطريقها على غير المشتاق وعير بعيد" (1 2 - 22).
ثم بين حد هذه الهجرة بقوله: " فحد هذه الهجرة: سفر الفكر في كل
مسألة من مسائل الايمان، ونازلة من نوازل القلب، وحادثة من حوادث
الاحكام إلى معدن الهدى، ومنبع النور المتلقى من فم الصادق
المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى . فكل
مسألة طلعت عليها شمس الرسالة وإلا فاقذف بها في بحار الظلمات،
وكل شاهد عدله هذا المزكي الصادق والا فعده من أهل الريب
والشبهات. فهذا هو حد هذه الهجرة " (23 - 24).
فهذه الهجرة شاملة محيطة بحياة المؤمن كلها. فلا تخص جانبا منها
دون جانب، ولا يحتاج إليها في وقت دون وقت. وليست أهميتها في
أحكام الفقه أكثر منها في مسائل الاعتقاد ومنازل السلوك ومقامات
الاحسان. بل لها أهمية خاصة في وادي السلوك، فان المقرر عند كثير
من أصحابه أن الشرع فيه معزول، والعقل فيه معقول، والحكم فيه
23