كتاب طريق الهجرتين وباب السعادتين - ط عالم الفوائد (اسم الجزء: مقدمة)
من حين استقرت قدمه في الدنيا فهو مسافر فيها إلى ربه، ومدة سفره هو
عمره الذي كتب له. والناس في سفرهم هذا إما مسافرون إلى دار الشقاء
واما إلى دار السلام. والسائرون إلى دار السلام ثلاثة أقسام: ظالم
لنفسه، ومقتصد، وسابق بالخيرات. والسابقون بالخيرات نوعان: أبرار
ومقربون.
ثم عقد فصلأ في مسألة أن أصحاب اليمين هل هم الاصناف الثلاثة
(المقتصدون والابرار والمقربون) أو يدخل فيهم الظالمون لانفسهم
أيضا. وفصل القول فيها على طريقته من ذكر خلاف العلماء و دلتهم
وردودهم في نحو 32 صفحة، ثم رجع فقال: " والمقصود الكلام على
مراحل العالمين وكيفية قطعهم إياها، فلنرجع إليه فنقول. . . " (1 4 4).
ثم وصف حال الاصناف المذكورة، و فضلها و علاها: السابقون
المقربون. وقد تواضع ابن القيم فاعتذر واستغفر قبل وصف حالهم
قائلا: " و ما السابقون المقربون، فنستغفر الله الذي لا إله إلا هو أولا من
وصف حالهم وعدم الاتصاف به، بل ما شممنا له رائحة، ولكن محبة
القوم تحمل على تعرف منزلتهم والعلم بها. وان كانت النفوس متخلفة
منقطعة عن اللحاق بهم، ففي معرفة حال القوم فوائد عديدة " (446).
وبعد ذكر هذه الفوائد شرع في وصف حالهم من الجهتين: جهة الارادة
والعمل، وجهة العلم والمعرفة. فلما وصف حالهم مع الاقدار التي
تصيبهم بغير اختيارهم بانهم يقابلونها بمقتضاها من العبودية ذكر أنهم
فيها على ثلاث مراتب: إحداها الرضا عنه فيها والمزيد من حبه والشوق
إليه. والمرتبة الثانية شكره عليها كشكره على النعم. وهذا فوق الرضا
عنه بها، ومنه ينتقل إلى هذه المرتبة، والمرتبتان لاهل هذا الشأن.
33