كتاب التبيان في أيمان القرآن ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 1)

فصل
ومن ذلك إقسامُهُ -سبحانه- بالضُّحَى {وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2)} [الضحى/ 2] على إنعامه على رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وإكرامه له، وإعطائه ما يرضيه، وذلك متضمِّنٌ لتصديقه له، فهو يُقْسِم (¬1) على صحَّةِ نُبَوَّته، وعلى جزائه في الآخرة، فهو قَسَمٌ على النُّبوَّة والمَعَاد.
وأقسم بآيتين عظيمتين من آياته؛ دالَّتَين على ربوبيته، وحكمته، ورحمته، وهما الليل والنَّهار.
فتأمَّلْ مطابقةَ هذا القَسَم -وهو نورُ الضُّحَى الذي يوافي بعد ظلام الليل- للمُقْسَم عليه؛ وهو نورُ الوحي الذي وَافَاهُ بعد احتباسِهِ عنه، حتَّى قال أعداؤُه: "وَدَّع محمدًا ربُّهُ" (¬2). فأقسَمَ بضوء النَّهار بعد ظلمة الليل على ضوء الوحي ونوره، بعد ظلمة احتباسه (¬3) واحتجابه.
¬__________
(¬1) من (ز)، وفي باقي النسخ: قَسَمٌ.
(¬2) روى مسلم في "صحيحه" رقم (1797) من طريق: سفيان، عن الأسود بن
قيس: أنه سمع جُنْدبًا يقول:
"أبطا جبريلُ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال المشركون: قد وُدِّعَ محمدٌ! فأنزل اللهُ -عزَّ وجلَّ-: {وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3)} ".
وفي "الصحيحين" من حديث جندب بن سفيان البجلي -رضي الله عنه- قال: "اشتكى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلم يقم ليلتين أو ثلاثًا، فجاءت امرأةٌ فقالت: يا محمد؛ إني لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك، لم أَرَهُ قَرِبَك منذ ليلتين أو ثلاثًا. فأنزل الله -عزَّ وجلَّ-: {وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} ".
البخاري رقم (1072، 4667، 4668، 4697)، ومسلم رقم (1797).
وذكر أهل التفسير أسبابًا أخرى لنزول هذه الآيات، تكلَّم عنها الحافظ في "الفتح" (8/ 593) وقال: "كل هذه الروايات لا تثبت".
(¬3) من قوله: "عنه، حتى قال ... " إلى هنا؛ ساقط من (ز).

الصفحة 110