كتاب التبيان في أيمان القرآن ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 1)

وأمَّا السَّعْيُ المأمورُ به في الآية فهو الذهابُ إليها على وجهِ الاهتمامِ بها، والتفرُّغِ لها عن الأعمال الشاغلة، من بيعٍ وغيره، والإقبال بالقلب على السعي إليها (¬1).
وكذلك قوله -عزَّ وجلَّ- في قصة فرعون لمَّا قال له موسى: {هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى} إلى قوله -عزَّ وجلَّ-: {ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى (22) فَحَشَرَ فَنَادَى} [النازعات/ 18 - 23]، فهذا اهتمامٌ واجتهادٌ في حَشْدِ (¬2) رعيته، ومناداته فيهم.
وكذلك قوله: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا} [البقرة/ 205] هو عَمَلٌ بهِمَّةٍ واجتهادٍ.
ومنه سُمِّيَ السَّاعي على الصدقة، والسَّاعي على الأرْملةِ واليتيم.
ومنه قوله تعالى: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4)} [الليل/ 4]؛ وهو العمل الذي يقصده صاحبه ويعتني به، لِيَتَرَتَّبَ (¬3) عليه ثوابٌ أو عقابٌ، بخلاف المباحات المعتادة، فإنَّها لم تدخل في هذا السَّعْي، قال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6)} [الليل/ 5 - 6] الآية وما بعدها.
ومنه قوله تعالى: {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ} [الإسراء/ 19].
وقوله -عزَّ وجلَّ-: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا} [المائدة/ 33].
¬__________
(¬1) انظر: "الإحسان في تقريب صحيح ابن حِبَّان" (5/ 523)، و"التمهيد" لابن عبد البر (20/ 231)، و"شرح السنَّة" للبغوي (2/ 317).
(¬2) في (ز) و (ح) و (م): حشر.
(¬3) من (ح) و (م)، وفي باقي النسخ: لترتب.

الصفحة 12