كتاب التبيان في أيمان القرآن ط عالم الفوائد (اسم الجزء: 1)

خاب من أهلكها وحَمَلَها على معصية الله"، وقاله: قتادة (¬1).
وقال ابن قتيبة: "يريد: أفلح من زكَّى نفسه أي: أَنْماها وأَعْلاَها بالطاعةِ، والبِرِّ، والصدقةِ، والكفِّ عن المعاصي، والتنافُسِ في الدرجات (¬2)، واصطناع المعروف، وقد خاب من دسَّاها أي: نقصها وأخفاها بترك عمل ذلكَ البِرِّ، وركوب المعاصي.
والفاجرُ -أبدًا- خفيُّ المكانِ، زَمِرُ (¬3) المُرُوءَةِ، غامضُ الشَّخْصِ، ناَكِسُ الرأسِ، فكأنَّ النَّطِفَ (¬4) بارتكاب الفواحِشِ دَسَّ نفسَهُ وقمَعَها، ومُصْطَنِعَ المعروفِ شَهَر نفسَهُ ورفَعَها.
وكانت أجوادُ العرب تنزل الرُّبَا ويَفَاع (¬5) الأرض لِتَشْهَرَ بها أنفسَها للمُعْتَفِين (¬6)، وتوقدُ النيران في الليل للطارقين. وكانت اللئام تنزلُ
¬__________
(¬1) انظر: "معالم التنزيل" للبغوي (8/ 439)، و"الدر المنثور" (6/ 601).
(¬2) "والكف عن المعاصي، والتنافس في الدرجات" ساقط من (ح) و (م).
(¬3) في جميع النسخ: زَمِن، وما أثبته أصح كما في "تأويل مشكل القرآن" لابن قتيبة (344). ومعنى "زَمِر المروءة": قليل المروءة.
(¬4) النَّطِفُ: هو الرجل المُريب، ووقع فيِ نَطَفٍ أي: شرٍّ وفساد، والنَّطَفُ: التلطُّخ
بالعيب، وفلانٌ يُنْطَفُ بفجور أي: يُقذَفُ به.
انظر: "لسان العرب" (14/ 186 - 187).
(¬5) في (ن) و (ز): بقاع.
و"يَفَاع الأرض": المشرف منْ التَّلِّ والجبل، وكلُّ ما ارتفع من الأرض.
و"الرُّبَا": ما ارتفع من الأرض، واحدتها: رَبْوَة، ورُبَاوَة، ورَابِية.
انظر: "لسان العرب" (15/ 452) و (5/ 127).
(¬6) "المعتفون": واحِدُهُ: مُعْتَفٍ، وهو كل من جاءك يطلب فضلاً أو رزقًا.
ومنه العِفَاوَة: وهي أول ما يرفع للضيف من المرق إكرامًا له.
انظر: "لسان العرب" (9/ 295).

الصفحة 30